الأربعاء، 18 أبريل 2012

ارسطو وصدام والثورة المصرية

يا مصريين، يا أهل الارض والترعة -- باحبكم
ما تصدقوش اللي يقول غوغاء والا جهلة، انتوا اساتذة ومافيش زيكم

يسألون لماذا نقرأ؟ حين نقرأ كتاب اسمه "اشهى وصفات صنع البسكويت" فالأمر واضح، نقرأه لأننا نريد صنع اشهى البسكويت. لكن ماذا عن شيء مثل التاريخ؟ الفلسفة؟ النقد الادبي؟ نحن ببساطة نقرأ هذه الاشياء كي نفهم.

نفهم ماذا؟ سأحكي لك اليوم حكاية عن افلاطون وارسطو والثورة المصرية، وعن البرامج الانتخابية...

كانت هناك خلافات بين افلاطون وارسطو عن السياسة ونظم الحكم. كنت اقرأ مقالاً في هذا الموضوع ثم رأيت في افتتاحيته هذه المقولة:

So first fundamental difference between Plato and Aristotle: the first thinks the difference as inherent to humanity, the second thinks equality. This starting point radiates the rest of their political thought.

تقول ان اول اختلاف بين افلاطون وارسطو ليس عن طبيعة الدولة بل عن طبيعة الانسان..يميل افلاطون للتركيز على الاختلافات بين الناس كصفة جذرية بهم، بينما يميل ارسطو للمساواة بينهم. هذا الاختلاف يؤثر بعد ذلك في افكارهم السياسية.

طب واحنا مالنا؟؟ فكر في هذه المقولات التي قد سمعتها في مصر قبل وبعد الثورة:
  • احنا شعب ابن ^%$#^ ما يلمناش الا الكرباج
  • حانتخب شفيق/عمر سليمان عشان راجل يعرف يلم البلد دي
  • ما ينفعش اتنحى، كدة حاسيب مصر للاخوان
  • الشعب المصري ليس مستعداً للديموقراطية. انها سوف تأتي، لكن متى؟؟؟
  • نطالب المجلس العسكري بإعلان دستوري بضع مباديء فوق دستورية!
  • ينبغي للمرأة من الإخوان أن تفضل الزواج من شخص داخل الجماعة
  • البرادعي خسارة في بلد مثل مصر
  • حازموووون
هل تعرف ما الشيء المشترك بين كل هذه النقاط؟ كل واحدة منهم تقسم مصر إلى فئات اعلى وفئات اقل..وللفئة الأعلى امتيازات عن الاشخاص العاديين.

هل ترى ان مصر لا امل فيها لأن الناس جهلة متخلفون ينساقون وراء الشعارات الدينية؟ هل ترى مؤامرة امريكية لن يخرجنا منها إلا البطل الهمام؟ هل ترى مصر مثل الطفل الذي يتنازع عليه ابواه - مبارك والاخوان - بدون ان يكون له اختيار في مصيره؟

هل ترى ان المصريين غوغاء لا يحكمهم إلا الكرباج، وبالتالي لابد من تقسيم المجتمع إلى "حامل الكرباج" الذي يحكم و"خائف الكرباج" المحكوم؟ هل توميء برأسك في موافقة حين ترى هذا الكاريكاتير؟


لهذا الكاريكاتير معي قصة طريفة: رأيته في حساب فيسبوك لشخص من الذين دائماً يدافعون عن المجلس العسكري ويقول ان الثوار خونة...الخ، وهو لديه نظرية ان الجيش هو افضل ما في مصر وان اي شخص من خارجه ليس لديه نفس النظرة ولا القدرة. ليس من العجب إذاً أن يعمل شير لهذه الصورة...

ثم يأتي السؤال: وهل من الواقعية ان نعتبر الناس متساوون؟ أليس فيهم الطيب والشرير، الذكي والغبي، المتحضر والهمجي؟ لماذا ينبغي ان نعيش في تمثيلية ان كل الناس هم امامير قطاقيط فتافيت؟

نعم. الناس مختلفون، لكن المساواة تأتي في ان يأخذ كل شخص فرصته لإثبات ذاته وتحقيق اهدافه، بدون ان نحكم حكم مسبق عليه.

تخيل ان لدي شوال به كرات حمراء وكرات زرقاء لا اعرف عدد كل منهما ومددت يدي في الشوال. هل استطيع ان احكم إن كانت يدي ستخرج بكرة حمراء ام زرقاء بدون ان اجري التجربة فعلاً؟ هذه هي المساواة: لا تحكم بدون إجراء التجربة. بدون تقديم الفرصة.

هذه النقطة مهمة جداً، انت حين ترضى بالطاغية فأنت حكمت حكما مسبقاً ان هذا عاقل وهؤلاء رعاع. لماذا ينبغي ان نصدق هذا الحكم؟ إن الديموقراطية، الانتخابات، الحوار المجتمعي ما هي إلا وسائل - ولو تقريبية - للتمييز بين من يستحق الحكم، بطريقة عادلة او علمية وبلا تمييز مسبق.

هذا يفسر أيضاً ما يفعله الاخوان هذه الايام: انهم صادقون في شعار "نحمل الخير لمصر"، لكن ربما يودون أن يضيفوا "نحمله وحدنا". يبدو انه قد ظهر لبعض المتعصبين منهم - الذين يمسكون مراكز قيادة - انه هناك فرق بين السياسي الاخواني والسياسي العادي؛ ربما يرون انفسهم اولى لأنهم اعرق تاريخا، او اكثر تنظيما، او تحملوا التعذيب مدة اطول، او اي شيء، فصار بالنسبة لهم كون السياسي منهم هو دليل كاف على قدرته على قيادة البلد. لا تحتاج لفتح الشوال لترى لون الكرة، يكفي لون الشوال نفسه...

نفس النظام يظهر في الوجه القبيح للرأسمالية كما تمارس في امريكا مثلاً: هناك رأي متطرف يظهر الآن في الحوار السياسي الامريكي ان الفقراء يستحقون ما يجري لهم. فقط لو توقفوا عن الكسل! فقط لو كانوا اكثر ذكاء أو اكثر طموحاً! إن مجرد كون الاغنياء اغنياء والفقراء فقراء لهو دليل كاف على ان كل شخص في المكان الذي يستحقه!

المشكلة - مرة اخرى - ان هذا النظام لم يقس على فرص متكافئة. ماذا عن الذين ولدوا في غنى فتعلموا افضل تعليم، واخذوا مالاً من ابائهم لكي يفتحوا شركات. وتحملوا بسهولة الخسارة في اول شركتين فتحوهم حتى تعلموا حسن الإدارة؟ هل نقارن هؤلاء مع الذين ولدوا في فقر مدقع؟

لكن لو كان المجتمع به تكافل وتكافؤ فرص: قوانين منافسة شريفة بين الشركات الكبيرة والصغيرة، تعليم ورعاية صحية بالمجان، قدرة لأي شخص ذو كفاءة أن يحكم، فرص تمويل للشركات والمشاريع الكبيرة والصغيرة -- فإن هذه تكون تجربة عادلة. نعم هناك فروق: هناك مجتهدون وكسالى، اذكياء واغبياء، طموحين ومتواكلين، لكن النظام غير العادل يمنع المجتهدين الطموحين حقاً من الظهور. يمنعنا من إجراء التجربة.

ليست هناك تعليقات: