كانت الدولة الإسلامية قديماً تستشري فيها فكرة المسؤولية. الدولة مسؤولة عن المواطن. ليست مجرد مسؤولة اقتصادياً أو أمنياً أو قانونياً -- مسؤولة عن المواطن. هل المواطن سعيد؟ هل هو راض؟ هل هو بصحة جيدة؟ هل يربي ابناءه بلا مشاكل؟
كان المريض يعالج في المستشفى العام بالمجان ويأكل طعاماً طيباً حتى أغرى البعض ان يتمارض ليقيم بعض الوقت في المستشفى، وحين يخرج يأخذ منحة من المال تعويضاً عن الفترة التي منعه المرض فيها من العمل، وفوق ذلك تبنى المستشفى في اماكن ذات هواء نقي لتسهيل شفاء المريض، ولن أعجب لو رأيت مستشفيات في يومنا مبنية بجانب مدخنة مصنع.
واليوم سوف ارسم لكم صورة عن دولة المسؤولية الحديثة التي اتمناها. لن أركز في هذا المقال تحديداً كيف يمكن تحقيقها فهذا يحتاج خطط وعمل وتنسيق يطول الحديث عنه، لكن دعنا اليوم نرسم الصورة. ضع هذه الصورة نصب عينيك. فكر فيها كل يوم وناقشها وتفكر كيف يمكن تحقيقها. أريدك ان تشعر ان هذا ليس كلام خيالات بل رؤية يمكن تنفيذها.
الدولة التي اريدها تشعر بالمسؤولية تجاه المواطن ليس فقط من دستور او قانون او لوائح، لكن لأن هذه قيمة في المجتمع نفسه، الحاكم يخاف على الشعب وصاحب الشركة يخاف على الموظفين والزوج يخاف على زوجه والموسر يخاف على الفقير والفقير يخاف على المسكين. حتى الحيوانات تجد من يشفق عليها ويعني بها. البيئة الطبيعية نفسها موضع عناية واشفاق.
لا تخطط المحافظة فقط الطرق والكباري والمطبات، بل تبني في كل حي حدائق عامة يراعى فيها الجمال، ويسمح للاطفال بقطف الفاكهة من شجرها بلا تخريب، وفيها اماكن للفرش والاكل (لأن المصريين يحبون هذا هاها) ويوزع من الثمر لفقراء الحي.
الاهتمام فيها ليس فقط بما يسمى "الصورة الكلية" من تقارير بورصة وما شابه بل على مستوى أشياء حقيقية: هل الخضروات واللحم يزيد سعره باستمرار ام يجد الناس ما يأكلون؟ هل الاطفال يتعلمون بالفعل في المدارس؟ هل يزداد قبول الموظفين للرشاوي؟ هل الفقر والإحباط يدفعان الناس للشجار في الشوارع أو قراءة الصحف الصفراء؟
أوهل يتخيل شخص عمر بن عبد العزيز مثلاً إن رأى فقيراً لا يجد قوت يومه -- هل يختبيء عمر وقتها وراء رسومات بيانية عن الحالة الاقتصادية المزدهرة؟ لا يتخيل هذا احد.
الدولة هنا ليس مقصود بها "رئيس الجمهورية" أو "الحكومة"، الذي اصفه من الصعب أن يحدث بدون مشاركة من المجتمع كله، قيمة المسؤولية كما قلت لدى الجميع، مؤسسات المجتمع المدني، الوقف، الزكاة والصدقات، العمل التطوعي،...الخ،...الخ. لكن في نفس الوقت لا نخادع انفسنا ونقول ان الدولة ليس لها دور أساسي او ان سياستها لن تؤثر. وما فائدة الدولة إن لم يكن رعاية....رعاياها؟
وماذا عن العلم؟ قديما في الدولة الإسلامية كان هناك مكتبة في كل شارع، لماذا لا نعيد هذا؟ ونصنع أيضاً استكشافية [وهي مكان عرض للعلم مثل تلسكوبات وقبة سماوية، تجارب، سيارات وآلات شفافة لترى كيف تعمل من الداخل...الخ...الخ] ليرى الناس عجائب الكون وإحكامه ويقدروا قيمة العلم الذي كُشف لنا به ما لم نحسب نفسنا سنراه؟
ولماذا لا يمتليء المجتمع بالتربويين والاجتماعيين والخبراء الذين يعرضون خدماتهم ليل نهار للإصلاح بين الازواج المختلفين أو التوفيق بين الأهالي وابنائهم المتمردين عليهم أو ارشاد الناس لتربية اطفالهم أو حتى التوفيق بين زملاء العمل او الشركاء المختلفين؟
ولماذا لا ينسق المجتمع كي لا يكون جائع يوم العيد، بأن ينسق المتبرعون مع الدولة مع المطاعم لكي تكون هناك وجبة لكل من يدخلها برقم البطاقة مثلا او بكوبونات تصرف لمن يستحقها؟
ولماذا لا يخاف اصحاب الشركات على موظفيهم، فلا يكون هناك overtime إلا في الظروف الخاصة وبدون الإضرار بالموظفين أو تجاهل إرادتهم، ولا تكون ساعات العمل فوق البشرية التي نراها في الشركات؟ ولماذا لا يكون حسن المعاملة المعروف في شركات مثل مايكروسوفت وجوجل - والذي يشبه تدليل الموظفين احيانا - هو شيء معتاد ومنتشر في القطاع الخاص؟ وقبل ان تقول لي ان هذا "اشتراكية" أو "كلام سيقتل الشركات" فأنا اذكرك ان اول من نفذ هذه السياسات هي اغنى اغنياء الشركات في العالم.
ولماذا لا يشعر كل منا، فرداً وموظفاً وحاكماً، بالمسؤولية تجاه الآخرين؟
كان المريض يعالج في المستشفى العام بالمجان ويأكل طعاماً طيباً حتى أغرى البعض ان يتمارض ليقيم بعض الوقت في المستشفى، وحين يخرج يأخذ منحة من المال تعويضاً عن الفترة التي منعه المرض فيها من العمل، وفوق ذلك تبنى المستشفى في اماكن ذات هواء نقي لتسهيل شفاء المريض، ولن أعجب لو رأيت مستشفيات في يومنا مبنية بجانب مدخنة مصنع.
واليوم سوف ارسم لكم صورة عن دولة المسؤولية الحديثة التي اتمناها. لن أركز في هذا المقال تحديداً كيف يمكن تحقيقها فهذا يحتاج خطط وعمل وتنسيق يطول الحديث عنه، لكن دعنا اليوم نرسم الصورة. ضع هذه الصورة نصب عينيك. فكر فيها كل يوم وناقشها وتفكر كيف يمكن تحقيقها. أريدك ان تشعر ان هذا ليس كلام خيالات بل رؤية يمكن تنفيذها.
الدولة التي اريدها تشعر بالمسؤولية تجاه المواطن ليس فقط من دستور او قانون او لوائح، لكن لأن هذه قيمة في المجتمع نفسه، الحاكم يخاف على الشعب وصاحب الشركة يخاف على الموظفين والزوج يخاف على زوجه والموسر يخاف على الفقير والفقير يخاف على المسكين. حتى الحيوانات تجد من يشفق عليها ويعني بها. البيئة الطبيعية نفسها موضع عناية واشفاق.
لا تخطط المحافظة فقط الطرق والكباري والمطبات، بل تبني في كل حي حدائق عامة يراعى فيها الجمال، ويسمح للاطفال بقطف الفاكهة من شجرها بلا تخريب، وفيها اماكن للفرش والاكل (لأن المصريين يحبون هذا هاها) ويوزع من الثمر لفقراء الحي.
الاهتمام فيها ليس فقط بما يسمى "الصورة الكلية" من تقارير بورصة وما شابه بل على مستوى أشياء حقيقية: هل الخضروات واللحم يزيد سعره باستمرار ام يجد الناس ما يأكلون؟ هل الاطفال يتعلمون بالفعل في المدارس؟ هل يزداد قبول الموظفين للرشاوي؟ هل الفقر والإحباط يدفعان الناس للشجار في الشوارع أو قراءة الصحف الصفراء؟
أوهل يتخيل شخص عمر بن عبد العزيز مثلاً إن رأى فقيراً لا يجد قوت يومه -- هل يختبيء عمر وقتها وراء رسومات بيانية عن الحالة الاقتصادية المزدهرة؟ لا يتخيل هذا احد.
الدولة هنا ليس مقصود بها "رئيس الجمهورية" أو "الحكومة"، الذي اصفه من الصعب أن يحدث بدون مشاركة من المجتمع كله، قيمة المسؤولية كما قلت لدى الجميع، مؤسسات المجتمع المدني، الوقف، الزكاة والصدقات، العمل التطوعي،...الخ،...الخ. لكن في نفس الوقت لا نخادع انفسنا ونقول ان الدولة ليس لها دور أساسي او ان سياستها لن تؤثر. وما فائدة الدولة إن لم يكن رعاية....رعاياها؟
وماذا عن العلم؟ قديما في الدولة الإسلامية كان هناك مكتبة في كل شارع، لماذا لا نعيد هذا؟ ونصنع أيضاً استكشافية [وهي مكان عرض للعلم مثل تلسكوبات وقبة سماوية، تجارب، سيارات وآلات شفافة لترى كيف تعمل من الداخل...الخ...الخ] ليرى الناس عجائب الكون وإحكامه ويقدروا قيمة العلم الذي كُشف لنا به ما لم نحسب نفسنا سنراه؟
ولماذا لا يمتليء المجتمع بالتربويين والاجتماعيين والخبراء الذين يعرضون خدماتهم ليل نهار للإصلاح بين الازواج المختلفين أو التوفيق بين الأهالي وابنائهم المتمردين عليهم أو ارشاد الناس لتربية اطفالهم أو حتى التوفيق بين زملاء العمل او الشركاء المختلفين؟
ولماذا لا ينسق المجتمع كي لا يكون جائع يوم العيد، بأن ينسق المتبرعون مع الدولة مع المطاعم لكي تكون هناك وجبة لكل من يدخلها برقم البطاقة مثلا او بكوبونات تصرف لمن يستحقها؟
ولماذا لا يخاف اصحاب الشركات على موظفيهم، فلا يكون هناك overtime إلا في الظروف الخاصة وبدون الإضرار بالموظفين أو تجاهل إرادتهم، ولا تكون ساعات العمل فوق البشرية التي نراها في الشركات؟ ولماذا لا يكون حسن المعاملة المعروف في شركات مثل مايكروسوفت وجوجل - والذي يشبه تدليل الموظفين احيانا - هو شيء معتاد ومنتشر في القطاع الخاص؟ وقبل ان تقول لي ان هذا "اشتراكية" أو "كلام سيقتل الشركات" فأنا اذكرك ان اول من نفذ هذه السياسات هي اغنى اغنياء الشركات في العالم.
ولماذا لا يشعر كل منا، فرداً وموظفاً وحاكماً، بالمسؤولية تجاه الآخرين؟
هناك تعليق واحد:
يلا نبني دولة المسؤولية , شكرا على التصور الرائع دا يا دكتور
مجرد التفكير فيها , بيحسسني بالسعادة
إرسال تعليق