الجمعة، 25 فبراير 2011

خطة للنهضة(2): إصلاح موزع، بيئة مفتوحة، ضربات جراحية

[المحتويات: الجزء الأول، الجزء الثاني (هذا المقال)، الجزء الثالث، الجزء الرابع]
إصلاح اجتماعي موزّع

الخطة التي اقترحها ليست "خطة" بالمعنى التقليدي. ليس فيها توزيع لأدوار ولا مراحل أو deadlines أو كل هذا، بل إنه حتى الخطة نفسها لن تكون مكتملة تماما: ستكون بها أجزاء موجودة وأخرى سأترك الناس ليكملوها هم. والأجزاء التي سأقدمها ستكون لها مكونات أنضج من الأخرى.

لن يكون هناك قيادة مركزية تتولى تنسيق كل الأدوار في الخطة، بل سيكون الموضوع في صورة معلومات وأفكار متاحة للجميع، ويساهم فيها الجميع، والكل ينفذها بطريقته سواء وحده أو في فريق يكونه أو ينضم له (يمكن لذلك الفريق أن يصغر أو يكبر لأي حجم). لو أرادت مؤسسة أو جهة حكومية أن تشارك في الخطة فمرحباً بها، لكن يجب عدم الاعتماد على تلك المؤسسة بالذات ولا تحويل الخطة لخطة حكومية لأن هذا سيكون له ثمن سندفعه من صلابة الخطة ومتانتها كما وصفت في المقال السابق.

لماذا هذه الطريقة الجديدة؟ الم يكن الأفضل عمل خطة تقليدية فيها توزيع للأدوار والمراحل وتثبيت للإدارة؟ أليس الأفضل تقديم خطة مكتملة من البداية؟ ما الهدف من كون الخطة "متوزعة" بدلا من "ممركزة"؟

لديّ أربعة أسباب قوية لما أفكر فيه. الخطة الموزعة (1) أسهل انتشارا وأكثر كفاءة. (2) تبقينا صادقين. (3) تشجع بيئة من التجريب والحرية. (4) أليَن مع الأخطاء.

1- أسهل انتشارا وأكثر كفاءة: أنا لا أريد أن انتظر حتى يجتمع فريق من الناس ثم يختارون قيادة ثم يضعوا جدول أعمال ثم...ثم... هذا معناه تقريباً أن الخطة ستتوقف قبل أن تبدأ. أنا أريد أن أبدأ الآن.

أيضاً إن ألزمنا أنفسنا بخطة مركزية فذلك سيساهم في جعل نشر تلك الخطة أصعب لأن كل شخص يود المساعدة سيجب البحث له عن دور في "الفريق الرسمي"، ولو كان موجوداً بالفعل من يقوم بهذا الدور فسنجد أنفسنا نرفض الوافد الجديد لأن دوره متكرر. ولو حدث خلاف بين "القيادات" فسيتعطل التقدّم.

لكن في حالة الخطة الموزعة من أراد أن يساهم فما عليه سوى أن يأخذ فكرة وينفذها بدون الحاجة لإذنٍ ولا تفاوض، ولو اختلف اثنان على طريقة التنفيذ فالحل بسيط جدا: فلنجعل الأمرَ علميّاً وليس بالآراء، وكل منهما له حرية تطبيق طريقته الخاصة كما يشاء، فالطريقة الناجحة يثبت نجاحها تجريبياً والطريقة غير الناجحة نستفيد من دروسها.

ثم أن الخطة الموزعة تعني انه لا حد أقصى لفريق العمل، وتحل مشكلة تكرار المواهب (أي لو وجدنا شخصين يقدران على نفس الدور فيمكن لكل منهما أن يعمل في فريق مستقل ولا داع لاختيار أحد منهما في الفريق "الرسميّ").

وأخيرا، فإن بعض أجزاء الخطة يحتاج أبحاثاً لشهورٍ أو سنينٍ قبل أن يكتمل. والسماح بأن تكون الخطة غير كاملة يعني أنه يمكن البدء في الأجزاء الموجودة بغير تأجيل، ويعني إعطاء الفرصة للآخرين أن يكملوا الناقص هم، ربما بأفضل من صاحب الخطة الأصلي.

2- تبقينا صادقين: في المؤسسات التقليدية كل مدير له سلطة رسمية وسلطة فعالة. أما السلطة الرسمية فتتبع من مركزه ودوره الإداري. وأما السلطة الفعالة فتتبع من كونه على حق وقدرته على إظهار ذلك الحق للناس وقدرته على التنسيق بين أهدافهم وأهدافه. السلطة الفعالة غالبا ما تكون أقوى، وغالبا ما تكون هي السلطة الحقيقية.

تحويل الخطة لخطة موزعة معناه التنازل عن كثير من السلطة الرسمية. من الآن ستكون انت وأفكارك أمام الناس: لا يوجد مركز تختبيء وراءه ولا سبب رسمي يجعل احد يتبعك. لا تعود عبارة "نفذ كلامي لأني القائد" كافية.

هنا تكون الطريقة الوحيدة أمامك للتأثير على الناس هي أفكارك وكلمتك. عليك إذاً أن تسعى لأن تظل على حق طوال الوقت، وتظل طوال الوقت مقنعا. وهذا هو المطلوب.

3- بيئة للتجربة الحرة: التقدّم في أي مجتمع أو مؤسسة يعتمد على توازن بين حسن الإدارة (منعا للفوضى) وبين حرية التجربة والمخاطرة (منعا للجمود). ونحن الآن في عصر جديد والمجتمع يتغير من حولنا والتجربة الآن لها أهمية قصوى بأن القواعد التقليدية لم تعد تكفي. الخطة الموزعة تعني أن كل شخص متأثر بالخطة يمكنه أن ينفذها بأسلوبه الخاص ونمطه. ولعلها مع الوقت تتحور وتتشكل حتى تأتي في صورة لم يتوقعها حتى أصحاب الأفكار الأصلية!

أتمنى أن اجد سبعة فِرَق ينفّذون نفس الفكرة بسبعة طرق مختلفة. أتمنى أن يحدث "تفريخ" للأفكار بحيث تلد كل فكرة أفكاراً أخرى. أتمنى أن يجرّب كل شخص ما يريد بشجاعة وبدون انتظار إذنٍ من "المدير".

4- أليَن مع الأخطاء: ماذا لو كانت الخطة مخطئة؟ ماذا لو كانت صحيحة ونُفّذت بالطريقة الخطأ أو حتى نُفّذت جيداً لكن لم يكن الحظ مواتياً؟ لو تحقق ما أرجو فلن تكون تلك مشكلة كبيرة لأنه سيكون هناك -إن شاء الله- عشرات الفرق ومئات أو آلاف الأفراد كلٌ يجرب بطريقته الخاصة ومجاله الخاص، وهكذا تجد الخطة تدخل في اتجاهات جديدة وتمر من حول الأخطاء كتيار الماء يمر من حول الصخرة.

(وحين نقرأ عن مزايا الdistributed computing، ألا نجد من أهمها الfault tolerance؟)

ولو فشل فريق من الفرق فلديهم وقت إن أرادوا يستعيدون فيه أنفاسهم، ويتعلّمون من أخطائهم، ويعاودون المحاولة بدون أن يؤثر ذلك على باقي الخطة.

بيئة مفتوحة

لما سبق أتمنى أن يكون نشاط النهضة في مجتمعنا في بيئة فكرية حية. فكر في الموضوع مثل مشاريع الOpen source: الخطط معلنة ومفتوحة. من حق أي شخص أن يستفيد منها أو أن يعدل عليها أو يفرّع منها مشاريعا جديدة، والتعديلات الأفضل تعود لصاحب المشروع الأصلي ليضمها إلى جذورها الأولى. الكل يتبادل الخبرات والمعارف، والخطط الأفضل هي التي تزدهر.

إن مشاريع الopen source تعلمنا أن حرية التجربة -على المدى الطويل- كثيرا ما تفوق التصميم المركزي، وإن مشروعا مثل Linux صار يتقدم ويزداد ابتكارا لأن كل مبرمج مبدع يمكنه أن "يلعب" فيه بغير إذنٍ ولا تكلفة. ولم يؤد هذا لتطور Linux فحسب بل صار له أيضا "أولاد" مثل Android. فلنجرب التخطيط بمثل هذه الطريقة إذاً.

وأخيراً: نحن قد جربنا ثورة شعبية بلا قائد. فلماذا لا تكون النهضة -هي أيضا- نهضة مجتمع لا نهضة قائد؟

ضربات جراحية

نأتي الآن لنقطة مهمة جداً: أنا أريد الخطة متوزعة على أفراد أو فرق صغيرة وكبيرة، فهل هذا واقعيّ؟ أليست الحكومات والمؤسسات الكبرى هي التي تستطيع أصلاً فعل شيء لأن لديها الأموال والموارد والتنظيم...الخ...الخ؟

ليس ذلك واقعياً جداً. إنه ببعض الإبداع وبعض التكنولوجيا (والإبداع أهم من التكنولوجيا) يستطيع الفرد الواحد أن يفعل ما يفعله مائة.

(أنظر لدور الفيسبوك مثلاً في الثورة المصرية.)

نحن نريد في خطتنا أن نركّز على الضربات الجراحية. إنّ الجراح الماهر يضرب بالمشرط في المكان الصحيح فتجده قد عالج المرض في ثوانٍ، ونحن بدورنا نريد أن نخطط لتحقيق أهداف تؤثر على آلاف من الناس بأقل موارد ممكنة.

مثال على ذلك مثلاً أكاديمية سلمان خان، وهو أمريكيٌ من أصلٍ بانجلادشيّ أراد أن يساعد في مجال التعليم فقام بعمل تسجيلات فيديو يشرح فيها المواد المدرسية من الرياضيات والعلوم لكل المراحل ووضعها على الإنترنت. مثل هذا العمل يمكن أن تكون نتيجته كفتح مدرسة في كل مكان به إنترنت! ثم أنه أتى آخرون وبنوا هم على المنصة التي وضعها (مثلاً شركة عربية قامت بنشر فيديوهات لهذه الدروس مترجمة)، ويمكن لأفراد أو مجموعات التدريس بهذه المواد أو الإضافة إليها؛ وهكذا تتحرك عجلة التعليم...

نحن نريد إذاً نشر روح الضربات الجراحية في نهضتنا، ونريد للناس أن يفكروا في هذا الاتجاه، وأن يفعلوا ذلك بحرية وبدون الحاجة لإدارة مركزية، وأن يكون هناك اهتمام خاص بمحاورنا الثلاثة: العمل بالإسلام، الطبقة الوسطى القوية، العلم المستشري.

في الجزء الثالث أقدّم لك أمثلة للضربات الجراحية في كلّ من هذه المحاور :)

ليست هناك تعليقات: