هناك ثلاث نقاط سوف ندخل فيها في هذا المقال. وأظنه مختلف عن معظم ما قرأت في هذا الموضوع.
- ماذا عن إنشاء نقابة خاصة بخريجي حاسبات ومعلومات؟
- وماذا عن لقب "مهندس برمجيات"؟
- وماذا عن منع مزاولة المهنة لغير خريجي حاسبات؟
المفروض أن يكون الحكم على الأفكار وليس الأشخاص، ولكن رغم ذلك سأقول (لكي يكون الجانب الذي أتخذه واضحاً): أنا
خريج حاسبات ومعلومات عين شمس، ومعيد سابق فيها، وقد قدمت للكلية الكثير
ولا أزال، وأنا ممن يرون أن علوم الحاسب من شأنها رفع المستوى العلمي
للمجتمع كله ودفع المنطقة للنهضة العلمية، ومشاريعي الحالية تثبت ذلك فعلاً
لا قولاً.
ثم بعد ذلك...
ماذا عن إنشاء نقابة خاصة بخريجي حاسبات ومعلومات؟
هذا أمر لا مشكلة عندي فيه. إن استوفت الكليات وخريجيها الشروط القانونية فلماذا لا يكون لديهم نقابة؟ هذا أمر طبيعي وكل المتخصصين في المجالات الأخرى يتمتعون بمميزات النقابات. أمر طبيعي وليس مثيراً للجدل.
ماذا عن الانضمام لنقابة أخرى مثل المهندسين أو العلميين؟ أقول لماذا؟ نحن لنا مجالنا الخاص، ولا أسمع أحد يقول لخريج هندسة انضم لنقابة العلميين أو ينصح خريج حقوق أن ينضم لنقابة التجاريين؛ ولا أجد معنى لهذه الأفكار.
وماذا عن لقب "مهندس برمجيات"؟
لا أرتاح كثيراً لهذه النقطة، وأعتقد أن الهوس المستمر للحصول على لقب "مهندس" له أضراره.
مثلاً، هناك نداءات من حين لآخر بجعل الدراسة في حاسبات خمس سنوات بدلاً من أربعاً إن كان هذا سيسهّل الحصول على اللقب. هذا أمر سيء لأنه يخلط قضية تعليمية بقضية أخرى اجتماعية. الأسوأ أن الذين يطرحون هذه النقطة كثيراً ما يخفون نواياهم الاجتماعية ويظهرون الأمر تعليمياً بأن يقولوا أن الدراسة بالكلية لا تكفي لها السنوات الأربع...الخ؛ هذا يؤدي لحوار مسرحي سخيف تجد قليل من الصادقين فيه، والباقي يقولون شيئاً ويعنون شيئاً آخر.
أنا مقتنع بالأربع سنوات، لكني مستعد للسماع للرأي الآخر بشرط أن يكون رأياً تعليمياً وليس برأي سياسي/اجتماعي متنكر في صورة خوف على المستوى العلمي، وحتى الآن لم أر رأياً كهذا.
نقطة أخرى هامة، أن Computer science هي أمر أكبر من هندسة أصلاً!
لو نظرت للفلسفة وراء علوم الحاسب، فستجد أن لها وجهاً رياضياً، ووجهاً تكنولوجياً قريباً من الهندسة، ووجها علمياً قريباً من العلوم الطبيعية مثل الفيزياء أو علم الفلك. إن الحوسبة هي علم جديد ناشيء ولتطوره تبعات على الفكر البشري في القرن القادم، ولو حصرنا مجالنا في الجانب الهندسي فإننا قد نحظى على المدى القريب ببعض القبول في المجتمع، لكننا على المدى الأبعد قد نفقد فكراً ووعياً مجتمعياً أكبر بكثير.
لماذا نبحث عن الحل السهل ونأخذ لقباً من مجال يشبه مجالنا في بعض جوانبه؟ ألا ينبغي أن نصنع قصص نجاحنا ولقبنا بأنفسنا؟
لماذا لا نبهر المجتمع بالمشاريع والشركات والأبحاث وقصص النجاح حتى يدرك إدراكاً حقيقياً من نكون وماذا نفعل؟
لماذا نتمسك بألقاب من الماضي بينما يمكن أن نكون المستقبل؟
لماذا نحاول إرضاء مجتمع لا يفهمنا بدلاً من أن نغيره؟
لأن لقب المهندس أسهل؟ وهل نختار الحل السهل أم الحل الصحيح؟
وماذا عن منع مزاولة المهنة لغير خريجي حاسبات؟
(إضافة: هذا هو المصدر للمادة المقدمة الخاصة بمزاولة المهنة. صفحة 12، مادة 40).
إن أردت إبطاء معدل النهضة في المجتمع، افعل ذلك.
هل تعلم أن العالم الآن يسير نحو نشر البرمجة للجميع، خريجي علوم حاسب أو لا؟
هل تعلم أنه قد ظهر في الولايات المتحدة كادر جديد اسمه الصحفي/المبرمج، وأن كليات صحفية مثل كلية الصحافة بجامعة ميزوري، أو جامعة كاليفورنيا في بركلي، صاروا يضيفون مكونات برمجية إلى الكورسات؟
هل تعلم أن جامعة ستانفورد بها مركز أبحاث للحوسبة القانونية، لدراسة تأثير التكنولوجياً على النظام القانوني للدولة؟
هل تعلم أنه هناك اطفال في سن العاشرة قد طوروا برامج iPhone؟ وفي سن الثانية عشر أيضاً؟ هل تعلم أنه هناك مصري في الخامسة عشرة من ضمن هؤلاء، وأنه ليس وحده، فهناك مبرمجون كثيرون في سن المراهقة في الوطن العربي، يعرفون PHP, Visual Basic,...الخ؟
هل تعلم أن كثير من رواد الأعمال في مصر والوطن العربي يفتحون شركات تنتج تطبيقات، بينما كثير منهم من خلفية غير برمجية؟
فهل نريد لمجتمعنا أن يأتي بالصحفيين المبرمجين والمحامين المبرمجين والأطباء المبرمجين ويدفنهم قبل أن يظهروا؟ وأن يأتي بالاطفال والمراهقين الأذكياء ورواد الأعمال ويقول لهم "عذراً! اوقفوا تقدمكم سنوات حتى تصيروا خريجي حاسبات؛ إن صرتم"؟
هل نغلق الأبواب بينما غيرنا يفتحها؟
خاتمة
هناك تقسيم مزيف للمجتمع أن الناس محصورون بين "حاسباتجي يوافق على قانون النقابة" و "حاقد يرفض القانون". هذا المقال أحد وسائل نفي ذلك: أنا حاسبتاجي وأحب حاسبات حتى النخاع، لكن أرفض القانون الحالي الظالم.
ولقد أخطأ المسؤولون عن هذا القانون (ESEA) حين جمعوا بين شيء تتفق عليه الأكثرية (النقابة) وبين بنود تعبر عن آرائهم الشخصية. وإني أرى في الإصرار على البنود الأخرى ليس فقط ضرراً للمجتمع، ولكن أيضاً ضرراً لخريجي حاسبات أنفسهم، لأن مثل هذا القانون سوف يلاقي رفضاً من المجتمع ويعوق مشروع النقابة الذي نتمناه جميعاً.