الخميس، 23 أغسطس 2012

عن حاسبات ونقابتها نتحدث

هناك ثلاث نقاط سوف ندخل فيها في هذا المقال. وأظنه مختلف عن معظم ما قرأت في هذا الموضوع.
  • ماذا عن إنشاء نقابة خاصة بخريجي حاسبات ومعلومات؟
  • وماذا عن لقب "مهندس برمجيات"؟
  • وماذا عن منع مزاولة المهنة لغير خريجي حاسبات؟
المفروض أن يكون الحكم على الأفكار وليس الأشخاص، ولكن رغم ذلك سأقول (لكي يكون الجانب الذي أتخذه واضحاً): أنا خريج حاسبات ومعلومات عين شمس، ومعيد سابق فيها، وقد قدمت للكلية الكثير ولا أزال، وأنا ممن يرون أن علوم الحاسب من شأنها رفع المستوى العلمي للمجتمع كله ودفع المنطقة للنهضة العلمية، ومشاريعي الحالية تثبت ذلك فعلاً لا قولاً.
ثم بعد ذلك...

ماذا عن إنشاء نقابة خاصة بخريجي حاسبات ومعلومات؟

هذا أمر لا مشكلة عندي فيه. إن استوفت الكليات وخريجيها الشروط القانونية فلماذا لا يكون لديهم نقابة؟ هذا أمر طبيعي وكل المتخصصين في المجالات الأخرى يتمتعون بمميزات النقابات. أمر طبيعي وليس مثيراً للجدل.

ماذا عن الانضمام لنقابة أخرى مثل المهندسين أو العلميين؟ أقول لماذا؟ نحن لنا مجالنا الخاص، ولا أسمع أحد يقول لخريج هندسة انضم لنقابة العلميين أو ينصح خريج حقوق أن ينضم لنقابة التجاريين؛ ولا أجد معنى لهذه الأفكار.

وماذا عن لقب "مهندس برمجيات"؟

 لا أرتاح كثيراً لهذه النقطة، وأعتقد أن الهوس المستمر للحصول على لقب "مهندس" له أضراره.

مثلاً، هناك نداءات من حين لآخر بجعل الدراسة في حاسبات خمس سنوات بدلاً من أربعاً إن كان هذا سيسهّل الحصول على اللقب. هذا أمر سيء لأنه يخلط قضية تعليمية بقضية أخرى اجتماعية. الأسوأ أن الذين يطرحون هذه النقطة كثيراً ما يخفون نواياهم الاجتماعية ويظهرون الأمر تعليمياً بأن يقولوا أن الدراسة بالكلية لا تكفي لها السنوات الأربع...الخ؛ هذا يؤدي لحوار مسرحي سخيف تجد قليل من الصادقين فيه، والباقي يقولون شيئاً ويعنون شيئاً آخر.

أنا مقتنع بالأربع سنوات، لكني مستعد للسماع للرأي الآخر بشرط أن يكون رأياً تعليمياً وليس برأي سياسي/اجتماعي متنكر في صورة خوف على المستوى العلمي، وحتى الآن لم أر رأياً كهذا.

نقطة أخرى هامة، أن Computer science هي أمر أكبر من هندسة أصلاً!

لو نظرت للفلسفة وراء علوم الحاسب، فستجد أن لها وجهاً رياضياً، ووجهاً تكنولوجياً قريباً من الهندسة، ووجها علمياً قريباً من العلوم الطبيعية مثل الفيزياء أو علم الفلك. إن الحوسبة هي علم جديد ناشيء ولتطوره تبعات على الفكر البشري في القرن القادم، ولو حصرنا مجالنا في الجانب الهندسي فإننا قد نحظى على المدى القريب ببعض القبول في المجتمع، لكننا على المدى الأبعد قد نفقد فكراً ووعياً مجتمعياً أكبر بكثير.

لماذا نبحث عن الحل السهل ونأخذ لقباً من مجال يشبه مجالنا في بعض جوانبه؟ ألا ينبغي أن نصنع قصص نجاحنا ولقبنا بأنفسنا؟

لماذا لا نبهر المجتمع بالمشاريع والشركات والأبحاث وقصص النجاح حتى يدرك إدراكاً حقيقياً من نكون وماذا نفعل؟

لماذا نتمسك بألقاب من الماضي بينما يمكن أن نكون المستقبل؟

لماذا نحاول إرضاء مجتمع لا يفهمنا بدلاً من أن نغيره؟

لأن لقب المهندس أسهل؟ وهل نختار الحل السهل أم الحل الصحيح؟

وماذا عن منع مزاولة المهنة لغير خريجي حاسبات؟

(إضافة: هذا هو المصدر للمادة المقدمة الخاصة بمزاولة المهنة. صفحة 12، مادة 40).

إن أردت إبطاء معدل النهضة في المجتمع، افعل ذلك.

هل تعلم أن العالم الآن يسير نحو نشر البرمجة للجميع، خريجي علوم حاسب أو لا؟

هل تعلم أنه قد ظهر في الولايات المتحدة كادر جديد اسمه الصحفي/المبرمج، وأن كليات صحفية مثل كلية الصحافة بجامعة ميزوري، أو جامعة كاليفورنيا في بركلي، صاروا يضيفون مكونات برمجية إلى الكورسات؟

هل تعلم أن جامعة ستانفورد بها مركز أبحاث للحوسبة القانونية، لدراسة تأثير التكنولوجياً على النظام القانوني للدولة؟

هل تعلم أنه هناك اطفال في سن العاشرة قد طوروا برامج iPhone؟ وفي سن الثانية عشر أيضاً؟ هل تعلم أنه هناك مصري في الخامسة عشرة من ضمن هؤلاء، وأنه ليس وحده، فهناك مبرمجون كثيرون في سن المراهقة في الوطن العربي، يعرفون PHP, Visual Basic,...الخ؟

هل تعلم أن كثير من رواد الأعمال في مصر والوطن العربي يفتحون شركات تنتج تطبيقات، بينما كثير منهم من خلفية غير برمجية؟

فهل نريد لمجتمعنا أن يأتي بالصحفيين المبرمجين والمحامين المبرمجين والأطباء المبرمجين ويدفنهم قبل أن يظهروا؟ وأن يأتي بالاطفال والمراهقين الأذكياء ورواد الأعمال ويقول لهم "عذراً! اوقفوا تقدمكم سنوات حتى تصيروا خريجي حاسبات؛ إن صرتم"؟

هل نغلق الأبواب بينما غيرنا يفتحها؟

خاتمة
 
هناك تقسيم مزيف للمجتمع أن الناس محصورون بين "حاسباتجي يوافق على قانون النقابة" و "حاقد يرفض القانون". هذا المقال أحد وسائل نفي ذلك: أنا حاسبتاجي وأحب حاسبات حتى النخاع، لكن أرفض القانون الحالي الظالم.

ولقد أخطأ المسؤولون عن هذا القانون (ESEA) حين جمعوا بين شيء تتفق عليه الأكثرية (النقابة) وبين بنود تعبر عن آرائهم الشخصية. وإني أرى في الإصرار على البنود الأخرى ليس فقط ضرراً للمجتمع، ولكن أيضاً ضرراً لخريجي حاسبات أنفسهم، لأن مثل هذا القانون سوف يلاقي رفضاً من المجتمع ويعوق مشروع النقابة الذي نتمناه جميعاً.

الأربعاء، 22 أغسطس 2012

رفع المستوى الفكري، من أجل مصر القوية

(ملاحظة: أنا أمثل نفسي فقط والآراء المكتوبة آرائي، ولست عضواً في مؤسسة مصر القوية أو أي حزب سياسي، وحين أقول "نفعل كذا" فهي صيغة أدبية لا أكثر)

كنت أيام الانتخابات اتحدث عن برنامج د. أبو الفتوح، وكان هناك اختلاف بين الآراء..

رأيي أن البرنامج مذهل، وأنه لو تم تنفيذه جيداً فسيجعل مصر ليس فقط تلحق بالدول الغربية، بل تسبقها. أما رأي أغلب من أتحدث معهم فهو أنه برنامج "كويس" لا أكثر.

نعم، لقد حصل د. أبو الفتوح على ملايين الأصوات، لكن كم من هذه الأصوات كان بسبب البرنامج، وكم بسبب عوامل أخرى مثل إخلاصه أو تاريخه أو شخصه...الخ؟

ونحن الآن نبدأ العمل السياسي والحزبي والمجتمعي، وهناك طرق لتنفيذ ذلك البرنامج غير مؤسسة الرئاسة، ود. أبو الفتوح وفريقه يعلمون ذلك، وقد أنشأوا حزباً سياسياً ومؤسسات أخرى تمهيداً للعمل السياسي على نطاق واسع وتنفيذ برنامجهم...ولكني أشعر أنه هناك مكون كبير ناقص. هذا المكون قد يعوق تقدم هذا المشروع لسنين. المشكلة في المستوى الفكري.

السيناريو الذي نريد تجنبه

اخشى أن يقول الناس، كما قالوا من قبل: "كويس" ويكتفون بهذا. لماذا أثر فيّ مشروع مصر القوية بهذا الشكل، بينما لم يؤثر في أغلب الناس بنفس الطريقة؟ لأنني لم أتعامل مع البرنامج على أنه مجموعة من الشعارات بل على أساس أنه بحث علمي. لقد بحثت في كل نقطة قالها البرنامج: الديموقراطية التشاركية، أنواع النشاط التعليمي الجديدة، الملكية العامة بإدارة خاصة، الفرق بين كلية الشرطة وأكاديمية الشرطة..كل كلمة من هؤلاء هي كلمة خلاصة أبحاث قادمة من عقل عالِم أو مفكر مصري شارك في وضع البرنامج.

لكن الناس لم يروا فيها إلا الشعارات!

وفي هذه الحالة فإن الناس سوف يختارون - في الانتخابات البرلمانية والمحليات و...و... - سوف يختارون إما من يعرفونه من قبل، وإما أصحاب الشعارات الأقوى، ويكون نصيب "مصر القوية" أعلى من الأحزاب الجديدة مثل التيار المصري مثلاً، لكن ليس منافساً قوياً جداً للاحزاب المهيمنة على الساحة السياسية حالياً.

وكيف نتجنب هذا السيناريو؟

ماذا يفعل الكيان السياسي الجديد في هذه الظروف؟ مؤسسة مصر القوية لديها ميزة هامة جداً: لديها (في رأيي) أفضل برنامج (حالياً) للدولة، ولديها فريق قوي من الخبراء، ولديها أكثر من مائة ألف متطوع. المكون الناقص هو إيصال هذه الرسالة إلى عامة الشعب. البرنامج العلمي يحتاج لتقييم علمي من الناس، ولو ارتفع المستوى الفكري فستتغير الساحة السياسية ويتغير شكل المجتمع.

هناك بالفعل مشاريع لرفع المستوى الفكري للناس، مؤسسات مثل "معرفة" و"رشد"، "قبيلة" وهي تحاول - أو هكذا أظن - أن تكون ليست مجرد "توعية" بل أن ترفع المستوى الفكري فعلاً وتعلم الناس في الاقتصاد والسياسة والإدارة والقانون..

علينا أن نأخذ هذا ونضربه ×100 . وأرى أنه قرار عملي وأننا نستطيع. أليس هذا شيء ينبغي أن نطمح فيه؟ شعب لا يسير وراء الشائعات، ويحلل الخطاب السياسي علمياً، ويختار المرشحين (أياً كان انتماؤهم) بالنظر المدقق إلى برامجهم وفكرهم؟

إن هذا في رأيي يضاهي في أهميته ثورة 25 يناير ذاتها.

وكيف نفعل هذا إذاً؟

الطريقة في سطر واحد ثم نفصّلها: يجب أن يكون رفع المستوى الفكري هو هدف أساسي من أهداف النشاط الذي تقوم به المؤسسات المختلفة في "مصر القوية".

معنى هذا أنه شيء يهتم به ويعمل فيه الجميع، بداية من القيادات وحتى كل متطوع في كل محافظة. وكذلك الخبراء والإداريين. لا ينبغي رَكن هذه الخطة في ركن ما مثل "اللجنة الثقافية". لابد من اشتراك المؤسسة كلها وإعطاء الموضوع أولوية بالغة. هذا هو السر.

يمكن أن يبدأ د. أبو الفتوح نفسه في تقديم رؤيته وأفكاره بشكل أكثر تفصيلاً. نعم لديه الآن صفحة على الفيسبوك وحساب على تويتر، لكن هذان يقدمان آراء مقتضبة في قضاياً الأحداث الجارية، لماذا لا يكتب مقالات أطول على مدونة؟ ولماذا لا يفعل هذا أيضاً من يستطيع من الخبراء والإداريين؟ تجربة في التشارك الحقيقي مع المجتمع وليس مجرد التخطيط في اجتماعات مغلقة.

(هذا بالمناسبة أحد أسباب شعبية أ/حازم صلاح مثلاً: محاضراته في مسجد أسد بن الفرات وفي برنامجه التلفزيوني. هذا يجعل أفكاره حاضرة دائماً، ومحور حديث وحوار).

أيضاً في صورة فيديوهات، لكن ليس مجرد فيديوهات دعائية (وإن لم نعارض تلك)، بل أيضاً فيديوهات على مستوى فكري أعلى تشرح الخلفيات السياسية/الاقتصادية/الاجتماعية/القانونية/العلمية وراء قرارات الحزب وسائر مؤسساته. تجعل الناس يستخدمون هذه اللغة العلمية في الحوار، بدلاً من الشعارات والمغالطات والشائعات.

ولماذا لا نستفيد من تجربة الخبراء كمعلمين وكثيرهم أساتذة في الجامعة؟ لماذا لا يشاركون بمحاضرات منتظمة كل في مجاله لمن يريد أن يفهم ويتخذ قراراته على علم؟

وهناك حالياً شخصيات معروفة بفكرها ولكن لا نسمع منها إلا ما يقال عن الأحداث الجارية..لماذا لا تأتي بهؤلاء ويقولون لنا "هيا نبدأ السياسة من البداية. هيا نرى ماذا تعني الدولة وكيف تنظم"، ثم يتم مشاركة هذه المعلومات عبر الأنترنت وعبر العالم الحقيقي ونشرها كذخر علمي؟

ولماذا لا يكون هناك وحدة نشر تابعة للحزب/المؤسسة، تقدم كتب ونشرات فيها خلفيات لكل قرار اتخذ وكل سياسة ، بالمراجع؟

ولماذا لا يكون هناك قناة تلفزيونية (أو برنامج في قناة معروفة) يناقش كل شيء بعمق وليس فقط "كذا كويس، كذا وحش"؟

ولماذا لا يتم التعاون مع المؤسسات الحالية مثل معرفة،...الخ والاستفادة من خبراتهم؟

وماذا عن العمل التطوعي في كل محافظة؟ لماذا لا يكون هناك عمل فكري أكبر من مجرد "توعية سياسية" أو "تنمية بشرية" بل تقوم فعلاً بتغيير الفكر؟ ندوات مكثفة ومناقشات وتدريب ومجالس علم؟

قد يردّ أحد فيقول "وانت فاكر الناس حيفكروا كدة؟؟ ما انت شايف الناس عاملين ازاي!"، أقول: نعم، وهذه هي المشكلة التي نسعى أن نحلها!

نحن إما أن نفترض أن المجتمع سيظل كذلك للأبد، ونسلّم بهذا، ونكتفي بترديد الشعارات وسط المرددين، أو نقول أن انخفاض المستوى الفكري مشكلة قابلة للحل، ونسعى بكل السبل الممكنة لحلها.

لأننا مللنا الحوار السياسي الحالي. ألم تملّوه؟

السبت، 18 أغسطس 2012

كلها برمجة. كلها لغات.

لو كنت ممن يقرأون هذه المدونة منذ فترة، لعلمت أنني في طفولتي كنت أتمنى أن أكون مخترعاً. ثم كبرت وصرت مبرمجاً.

وماهي البرمجة؟
  • أنت تكتب برنامجاً لتحقيق هدف ما، برنامج حسابات، لعبة، بحث علمي...
  • وهذا البرنامج تكتبه بلغة لها قواعد، syntax. هذه القواعد غالباً عبارة عن مكونات بدائية (أقواس، كلمات محجوزة) وطرق مفصّلة محددة لتركيب هذه المكونات.
  • هناك قواعد أخرى لطريقة تنفيذ البرنامج، semantics.
  • ويأتي في النهاية مفسّر، interpreter، يأخذ البرنامج وينفذه.
وما هو الاختراع؟
  • أنت تصنع تركيباً فيزيائياً لتحقيق هدف ما، اختراع يسير بك، ينقل الصورة عبر الأثير، يرش الأطفال به الماء على أصدقائهم...
  • وهذا التركيب محكوم بقيود فيزيائية معينة: الوزن والحجم والtopology في ثلاثة أبعاد مكانية. كما أن الاختراع من مكونات بدائية: (سوست، سيور، خراطيم).
  • وحين تقوم بتشغيل اختراعك، فإنه هناك قواعد معينة تحكم عمله: المجال المغناطيسي يولّد حركة عند مرور تيار كهربائي؛ البخار يتمدد ويولّد ضغطاً..هذه القواعد نطلق عليها اصطلاحاً قوانين الطبيعة ويدرسها العلماء كل يوم.
  • و"الكون" نفسه يقوم بدور المفسر الذي ينفّذ برنامجك - أقصد اختراعك.
(على الأقل أمنية من أماني الطفولة قد تحققت.)

ولو كان الاختراع برمجة، فما هي خصائص لغة البرمجة التي يتم بها الاختراع؟ وما خصائص بيئة التطوير IDE؟

أولاً، هي لغة dynamic تشبه نوعاً ما Smalltalk. انت تقوم بكتابة البرنامج في نفس بيئة تنفيذه، وفي ظروف معينة قد تكون تعدّل فيه بينما هو ينفّذ.

ثانياً، قواعد الـsyntax هي نفسها قواعد الـsemantics، وإن كان هناك شيء من الفصل الفكري بينها: بينما تقوم بتركيب السيارة تفكر في جزء من قوانين الطبيعة مختلف عن الجزء الذي تفكر فيه بينما هي تعمل. أحياناً تكون هناك أجزاء مشتركة.

ثالثاً، هناك شيء يشبه الـtype checking: الصواميل التي لا تتركب إلا مع مسامير من نوع مطابق، الـdimensional analysis في الفيزياء، ...الخ. مثل المبرمجين، يحاول المخترعون تقليل الأخطاء وتسهيل الحياة على أنفسهم.

رابعاً، البرمجة في الاختراع تبدو متوازية أكثر من البرمجة المعتادة.

وهل هذه قضية فلسفية بحتة؟ لا، بل هذه قضية تفكير حوسبي؛ مما يجعلها أمراً عملياً جداً، مرتبط بالتطور التكنولوجي وتطوير التعليم، وبالنهضة، كما وعدناكم دائماً :)

لو أمكننا تكويد بعض أنواع الاختراع في لغات نصية مثل لغات البرمجة، لأمكننا عمل IDEs لها، تقوم بعمل model checking للتأكد من خلو الاختراع من بعض الاخطاء التي يمكن الكشف عنها بسهولة.

ولأمكننا عمل libraries جاهزة بطريقة اوتوماتيكية بدلاً من التفتيش وسط التصميمات السابقة، ولأمكننا التفكير في الاختراعات على مستوى أعلى حين نقدم الـabstractions المعروفة في البرمجة: تخيل أن يكون لديك abstraction مثل "مانع لتسرب الحرارة" ثم يأتي compiler ويقوم بتحويل هذه الفكرة عالية المستوى إلى فلاتر وعوازل وقياسات.

ويمكن تطبيق refactoring واستبدال مكونات ابسط بمكونات معقدة.

ولم اذكر حتى الـsimulation، فهو بديهي.

ولم أذكر الجوانب التعليمية.

و...و...أفكار لا تنتهي، فقط تنتظر المجتمع الذي يمسك بها وينهض.

في الواقع هناك أدوات برمجة من هذا النوع: Labview، برامج CAD/CAM، لكن لا اظن ان الفكرة منتشرة جداً ان هذه الأدوات مثل لغات البرمجة، وتطبيق تكنولوجياً الـcompilers, programming language theory, IDE عليها.

كلما تأملت في التفكير الحوسبي شعرت أكثر وأكثر أن علوم لغات البرمجة لها دور كبير فيه..

الخميس، 16 أغسطس 2012

مشاعر سلبية إيجابية

في مجتمعنا الآن ظاهرة...ماذا أسميها؟ فلنسمها "سلوك تربوي مبالغ فيه". هذه الظاهرة لها سمتان ألاحظهما:
  • حينما يعبر أحد عن إحساس مثل الخوف، الغضب، القلق...الخ، يبدأ المجتمع المحيط في لوم الشخص كأنه سبب المشكلة.
  • اعتبار أن ذلك الشعور نفسه هو المشكلة، وليس العوامل التي أدت إليه.
وإن هذا لأمر مثير للعجب، لو حكيت لك عن شخص يشعر بالخوف لأن أسداً يجري وراءه، فلن يقول أحد أن الخوف هو المشكلة؛ المشكلة في الأسد. لكن اخلع الأسد من الصورة وضع شيئاً أكثر تجريداً مثل المال أو الوظيفة أو العلاقات الأسرية...وستجد الجميع ينظر نظرة أخرى لصاحب الشعور السلبي.هذا جانب متطرف من موضوع التنمية البشرية. الناس يشعرون أنه هناك مشاكل في المجتمع مثل التخاذل، سرعة الشعور بالإحباط، نقص المسؤولية الشخصية، فصار الكل يقول "أنت تستطيع أن تنجز أي شيء تريده لو أصررت عليه!!" "أكبر عائق لك هو أنت!!" "انس الشعور بالقلق!!".

لكن التطرف هنا يزيد المشكلة أيها السادة ولا يحلها. هناك شيء اسمه الظروف والعوامل الخارجية. هذا شيء حقيقي ملموس لا يمكن إنكاره. وإني أعجب كيف أمكن للناس أن ينكروه. هذا النوع من التطرف يتبع نموذج "كذا يساء استغلاله، إذاً هيا نلغيه". أي ان الناس يرون ان "الظروف الخارجية" قد صارت شماعة للكثير يضع عليها تخاذله، فكان الحل - من نظرهم - هو إنكار الظروف الخارجية نفسها.

هناك شيء اسمه الـempathy، أي فهم الأمور من وجهة نظر الطرف الآخر. الاستخفاف بمشاكل الآخرين وما يعوق حياتهم؟ هذا عكس الـempathy.

أما المشاعر السلبية، فهي قد تكون شيئاً جيداً لو عرف الناس كيف يتعاملون معها. الخوف والقلق ينبغي لكل منهما أن يدفع صاحبه للاعتراف بالخطر الذي يخشاه، والاستعداد للتعامل معه. أما الشخص الغاضب فليس بالضرورة لأنه متذمر أو "اكتئابي"، ربما يكون قد ظُلم أو أهين أو رأى ظلماً يقع، وهذا رد فعله الذي يقول "تصرف مع هذا الأمر حالاً".

لا نريد أن نعيش في عالم من الاستظراف والابتسامات المزيفة. إن كان هناك شخص في مشكلة فمن حقه أن يتحدث عن مشكلته ويعبر عنها. لا ينبغي أن نضع حواجز اجتماعية صارمة تجعل كل شخص يكتم ما في نفسه خوفاً من أن يعتبره الآخرون سلبياً أو متذمراً.

حتى الظروف التي يبدو فيها الطرف الآخر "مدللاً"، مثلاً حين يقول أن أهله لا يحترموه أو أن المجتمع لا يفهمه أو أن صديقتها لم تعد تحبها..قد يكون وراء هذا الأمر قضية مشروعة، وما أكثر الأهل الذي يدمرون أبناءهم فعلاً.

قد يقول قائل أنه هناك بالفعل أشخاص متذمرين أو سلبيين أو يغضبون على كل صغيرة وكبيرة. نعم، ولكن هل ندع هذا الأمر يدفعنا لأن ننكر كل مشكلة مشروعة وكل صاحب ظروف عائقة لحياته؟ لابد أن يتعلم المرء كيف يكون رأيه nuanced..وهي كلمة توحي بمعان معينة:
  • ليست كل الحالات والظروف مثل بعضها ولو بدا أنها كذلك.
  • التفاصيل الصغيرة قد تحدث فارقاً كبيراً.
  • لابد من التفكير الفعلي المتأني في الأمر قبل الحكم عليه.
بمعنى أصح - في سياق مقالنا - ليس كل شخص يبدو متذمراً هو كذلك فعلا، كما أنه ليس كل شخص يقول أن ظروفه سيئة هو كذلك فعلاً، والميل هنا أو هناك هو تطرف. ومجتمعنا حالياً متطرف لجانب منهما.

إن لم تكن ستستمع للتفاصيل، فلماذا تحكم؟

الخميس، 9 أغسطس 2012

العالم المادي

نعيش في عالم يقال عنه المادي. ما معنى هذه المادية؟ عالم من الحجارة والحديد والخشب والماء...المادة! ولماذا هي مادة؟

أول شيء يأتي على الذهن أن المواد تلمس بعضها: باستطاعتي أن أنصب عصا على فرعيّ شجرة، ثم اعلّق ملاءة على تلك العصاً. هذا النصب والإمساك والضغط هو أكثر ما يميز المادة، أليس كذلك؟

لكنها في الحقيقة لا تتلامس. على المستوى الذري لو وضعت يدي على المكتب فإن ذرات يدي لا تصل أبداً لذرات المكتب؛ هناك مسافة ضئيلة جداً غير مرئية بينهما، وقوى تمنع ذرات هذه وذاك من الاقتراب أكثر من ذلك، هذه القوى اسمها contact forces، وهذه القوى في أصلها كهرومغناطيسية تنتج من التفاعل بين الإلكترونات في ذرات اليد والمكتب.

لكنك تقول: كيف ذلك وأنا أشعر باللمس؟ لو وضعت يدي على الجدار فإن يدي - شخصياً - تخبرني أنها لمسته. هذه خاصية في الجسم البشري: الجهاز العصبي يجمع معلومات من البيئة المحيطة ويرسلها لنا، ونحن نفسر هذه القياسات..القياس الذي يقول "هناك قوة كهرومغناطيسة من نوع contact force تؤثر على الجسم" هو ما اطلقنا عليه اسم "اللمس".

ماذا أيضا يميز الأجسام المادية؟ أن لها وزن. هذا مهم. ومن أين يأتي الوزن؟ من قوى الجاذبية. والجاذبية تؤثر على كل ذي كتلة. إذن "الكتلة" هي الخاصية المهمة الأخرى للمادة في عالمنا المادي..

وما الذي يجعل الشيء له كتلة؟ هذا السؤال من أهم الأسئلة في الفيزياء الحديثة؛ والنظرية الحالية التي يتم التأكد منها هي نظرية "مجال هجز" أو "حقل هجز" Higgs field.

[ملاحظة: أنا لست عالِم فيزياء وفهمي لهذه الأمور، وبالتالي شرحي لها، سيكون سطحياً جداً]

تقول النظرية أن مجال هجز موجود في كل مكان في الكون وأن له قوة، لكن ليست كل الجسيمات تتفاعل معه. تخيل مجال هجز كأنه شبكة مثل شباك الصيد ممتدة في كل مكان، لكنها شبكة من شيء خاص يصد بعض الأشياء فيكون عائقا لحركتها الطبيعية وأشياء أخرى تمر بسلاسة من خلاله؛ ما تعوقه الشبكة له كتلة (ويتأثر بالجاذبية) والباقي لا كتلة له.


من أجل التحقق من هذه النظرية تم إنشاء صدام الهادرونات الكبير Large Hadron Collider أو LHC. مشروع ممتد في أوروبا في أنفاق محيطها 27 كيلومتراً على الحدود الفرنسية السويسرية، وتشارك فيه ست دول. و - إن لم أكن مخطئاً - فقد ظهرت نتائج قوية تؤيد نظرية هجز.

القصد...لماذا تتأثر الأشياء المادية بالجاذبية؟ لأن لها كتلة. لماذا لها كتلة؟ لأنها تتفاعل مع مجال هجز (نظرياً). كيف عرفنا أنها تتفاعل مع مجال هجز؟ لأنها تتأثر بالجاذبية طبعاً. لماذا لا تركز؟؟

ما الذي يجعل العالم المادي مادياً؟ لو كنت مبرمجاً ربما قلت...أنها القواعد. الالكترونات والمجالات المغناطيسية، مجال هجز والاجسام ذات الكتلة. الأشياء من نوع كذا تتجاذب، ومن نوع كذا تتنافر، ومن نوع كذا تتجاذب بطريقة مختلفة، بينما لو الأول من نوع أ والثاني من نوع ب فلن يكون تفاعل بينهما.

تركز الرياضيات على العلاقات بين الأشياء...هذه الأشياء تتعامد، وهذه متوازية، وهذه النقاط على نفس الخط، بينما لو ربّعت هذا العدد تصل لهذا العدد الآخر..

وما حقيقة الأشياء المادية؟ لا نعرف! ماهو الالكترون؟ لا نعرف! ما نعرفه عنه قد جاءنا من تفاعلاته مع المجالات المختلفة. كتلته وشحنته وسلوكه مع العناصر الأخرى...

الأحد، 5 أغسطس 2012

حدائق الريف الانجليزي، والثروة اللغوية

لا نستخدم كلماتٍ كثيرة في حواراتنا. هل يهتم الناس باللغة؟

حين نتحدث عن الكلاب نقول "كلب". بينما في المجتمعات المتحدثة بالانجليزية من العادي جداً أن نجد جملاً مثل هذه:
  • I went for a walk and brought along my collie.
  • Did you see that Labrador?
  • Check out that German shepherd.
نفس الشيء بالنسبة للعصافير، إنها دائماً "عصفور"..بينما غيرنا يقول lark, robin, swallow, sparrow, mockingbird, wren...

وهناك كلمات لأنواع كثيرة من العصافير في اللغة العربية: الهزار، الزكور، الشحرور، الزرزور، القبّرة،...لكني لا اراهات تستخدم كثيراً. هل هذا شيء خاص بمصر؟ ماذا عن سائر البلاد العربية؟ ماذا عن تلك الأسماء؟ أعتقد أنها معروفة في مصر: الكروان، البلبل، العندليب، ...

لكننا عامة لا نقول في حياتنا اليومية "انظر لهذه القبرة!" أو "هذه الشجرة وقف عليها زكور". ربما هي مسألة بيئة: اوروبا مليئة بالغابات، بينما مصر ليست (على الأقل القاهرة حيث معظم الحوارات الإعلامية والثقافية) بهذا الثراء البيئي.

ماذا عن أسماء الزهور؟ أتركك مع هذه القطعة من أغنية أخذتها في المدرسة في طفولتي:

How many kinds of sweet flowers grow
In an English country garden?
We'll tell you now of some that we know
Those we miss you'll surely pardon

Daffodils, heart's ease and phlox
Meadow-sweet and lady smocks
Gentian, lupin and tall hollyhocks
Roses, foxgloves, snowdrops, forget-me-nots
In an English country garden

السبت، 4 أغسطس 2012

المستقبل..

ينظر البعض لمشاريعي كل مشروع على حدىً فيقول "مشروع كويس" ويسكت. لكن حين تتحد المشاريع مع بعضها، تجد شيئاً كبيراً خفياً. ربما يفسر هذا حماستي الشديدة لتلك المشاريع، وتحملي من أجلها، بينما اكثر الآخرين لا يعبأ بها كثيراً. لأني أرى شيئاً في وسط هذه الأشياء؛ لديّ vision كما يقولون.

قد تجد هذا المقال يبدو كلاماً تقليدياً حتى تقترب من نهايته، ثم تجد - أو أرجو أن تجد - في الجزء الأخير مكافأتك على قراءته للنهاية :)

ما اهتماماتك أيها القاريء؟ هل تهتم بالسياسة والديموقراطية وتحصين المجتمع ضد الحكم الاستبدادي؟
أم أنك مهتم بالبرمجة والتكنولوجيا؟
أم بالاقتصاد والشركات؟
أم بالدولة القوية المتقدمة؟
هل تحلم بال"مستقبل"؟ السيارات الطائرة وغزو الفضاء؟
أم بالعدالة الاجتماعية؟

وماذا لو قلت لك أن جهاز أوراق، تعليم الأطفال البرمجة، التفكير الحوسبي، شركة Makesense، وهذه المدونة، قد تساهم بطريقة أو بأخرى في هذه الاهتمامات؟

كيف ذلك؟ وما علاقة شيء مثل البرمجة بشيء مثل العدالة الاجتماعية أو الديموقراطية؟ وهل يساهم الفيسبوك وتويتر في الثورات مثلاً؟ ما هذا الكلام الفارغ؟

المفاهيم مثل "الحرية" لا توجد في مكان فلسفي خفي، إنها تتحقق في البيئة الاجتماعية التي نعيشها جميعاً، وتتشكل بأفكار الناس ووسائلهم لتحقيق تلك الأفكار: التوزيع الموجود للثروات، وسائل الاتصال وتبادل المعلومات، وسائل تنظيم التفكير والتعبير عنه. لا تعجب أن تكون أحد عوامل النهضة الأوروبية هو انتشار الطباعة، لا تعجب من ازدياد النشاط السياسي بعد ظهور المدونات (وبعدها ظهور الـsocial networking)، ولا تعجب من ارتباط ظهور الديموقراطية في اوروبا بازدهار الطبقة الوسطى.

هل تأخذ الأفكار فرصتها؟ أم تموت لأن صاحب الفكرة مريض ولا يجد تكلفة العلاج [العدالة الاجتماعية] أو لأنه لا يجد وسيلة يخبر بها المجتمع بفكرته [التمكين الإعلامي] أو لأن النظام الأمني العتيد يخاف من التغير المجتمعي ويريد أن يحتفظ بالناس تحت قدمه [الاستبداد ونظم الحكم] أو لأنه حتى ليس متمكناً من سبل التفاوض والإقناع وتنظيم أفكاره؟

ما علاقة هذ بالمشاريع التي اذكرها كثيراً؟ سندخل في نقطة جانبية أخيرة، ثم نعود للمشاريع: أريد أولاً أن أحكي قليلاً عن نفسي...

لقد كنت في مواقف كثيرة من حياتي محظوظاً: عشت حياة الطبقة الوسطى لا اخاف من الأمور المادية، وتعرفت على حب العلم مبكراً، وكنت مبرمجاً قبل دخول كلية الحاسبات بسنين عدة، هذه الكلية نفسها قد ظهرت في الوقت الذي احتجتها فيه: بيئة من المبرمجين محبي العلم الذين يحبون النهضة.

الا أتمنى أن يكون كل شخص أمامه فرصة مثل هذه؟ بيئة يعبر فيها أن أفكاره ويلتقي بأصحاب الأفكار المشابهة، فرصة لتلقي علماً وفكراً، وفرصة مادية ليركز في اهدافه؟

نأتي أخيراً للمشاريع...

للديموقراطية صور كثيرة، ويشترك فيها مفهوم "نزع القوة من القلة وإعطائها للكثرة"، وكل قوة تدار مركزياً يتحكم فيها قلة هي وسيلة لنزع الديموقراطية من المجتمع: الإعلام المركزي يشكل الرأي العام كما يريد أصحابه. قلة التعليم وانخفاض المستوى الفكري تؤدي لحوار سياسي كالذي نراه الآن مليء بالمغالطات ويركز على الأشخاص لا الافكار، ويدفع الجميع للانخداع وراء الشعارات، أما النهضة نفسها فهي حالياً تأتي من ثقافة المشاهير: لو لم تظهر في التلفزيون أو تأخذ جائزة نوبل أو تكون مليونيراً أو تكون عضواً في حزب له ثقل سياسي،...فأين مكانك في النهضة؟

لكن يظهر وسط هذا نوع من الاشخاص اقتحموا هذه البيئة واكدوا ذاتهم فيها: هؤلاء الذين صنعوا قنواتهم على اليوتيوب، وصنعوا شركاتهم من لا شيء تقريباً، وأسسوا مبادرات اجتماعية تؤثر في الانتخابات والرأي العام، ويبدأون هذه الأيام في تشكيل احزاب سياسية صغيرة لكن ربما يكون مستقبلها كبيراً، وكل يوم يعيدون اختراع السياسة والإعلام والعمل.

ما الشيء المشترك بين هؤلاء؟ (1) فكرة جيدة. (2) وسائل مبتكرة للتعبير عن الأفكار ونشرها وتنفيذها.

أما مشاريعي فهدفها بسيط جداً: أن يكون المجتمع كله هكذا.

حين يبرمج الناس من طفولتهم، فسوف يتعلمون التفكير المنطقي المنظم، والتعبير عن الأفكار بطريقة عملية مجسدة، كما يمكنهم أن يخترعوا الأدوات التي يحتاجونها لتحقيق أهدافهم (هل تعلم أن جريدة نيويورك تايمز بدأت في تعيين المبرمجين بقوة، وظهر كادر جديد اسمه "الصحفي المبرمج"، وترى الجريدة أن هذا أملها في إنقاذ الصحافة؟).

تخيل لو كان الكل يخترع الأدوات التي يحتاجها لتحقيق اهدافه. هل لديك أهداف في إدارة شركتك؟ هل تريد صنع قاعدة بيانات للفساد الإداري؟ طبيب ولديك بيانات تريد تحليلها إحصائياً؟ ماذا لو كان لديك الأدوات لتفعل ذلك فوراً بنفسك؟

أما شركة Makesense فهي ليست مخطط لصنع شركة عادية، بل نوع جديد من الشركات: تحترم البحث العلمي، وتدار بطريقة ديموقراطية تحترم فيها الآراء (لتكون الديموقراطية قيمة اجتماعية وليس فقط نظاماً سياسياً)، وتكون مثل دولة صغيرة: إن الدولة هي وكيل لشعوبها وليست سيداً لهم، فلماذا لا تكون الشركة هي وسيلة لمجموعة من المتخصصين لكي يعملوا معاً ويحققوا اهدافهم، بدلاً من النظرة الحالية "سوف يتم إعطاؤك مالاً لتحقق أهداف صاحب الشركة"؟

لو نجحت بضع تجارب في شركات من هذا النوع، وكسبت وازدهرت، فقد يبدأ الناس في تقليد هذا النموذج بدلاً من الاختلاف على واقعيته.

شركات ليست فقط للربح، بل للعمل! ماذا تريد أن تعمل؟ إعلام؟ علم؟ خدمات؟ علاج؟ ماذا عن شركة تكون اسهل في توجيهها نحو تلك الأهداف، وأصعب في الانزلاق نحو الربح الأعمى؟

ماذا عن جهاز أوراق؟ أريده أن يكون وسيلة لإنتاج المعلومات ونشرها، لينتشر في المجتمع ثقافة الإنتاج الفكري. تخيل باحثاً يكتب حواشي على الكتاب بالقلم الإلكتروني، وفي لحظة يتم عمل share لهذه الحاشية على مواقع التواصل الاجتماعي، فيمكن للآخرين أن يضيفوا تلك الحواشي لنسخة الكتاب لديهم، فيأخذها أحد كمصدر للأفكار في عمله، ويأتي الآخر ليشرحها في مجلس علم، ويأتي ثالث يقتبس منها في كتاب دراسي، بينما في مكان آخر هناك معلم يأخذ عينات نباتات بالكاميراً وفي لحظة يكتب عليها تعليقات وملاحظات (أو يعطي هذا النشاط كواجب دراسي لتلاميذه)، وكل هذا الكترونياً في جهاز يشبه الورقة والقلم؛ ويمكن لأي شخص أن يستخدمه؟

ثقافة إنتاج المعلومات وليس فقط استهلاكها. ثقافة التصميم والاختراع.

مثل هذه الانشغالات هي وظيفة تلك المدونة وتلك المشاريع، ومن أجل هذه الأهداف تجدني كتبت مقالات سياسية أو أيدت مرشحاً معيناً، ومن أجل هذه الأهداف انتقد مسابقات الـACM وأقترح بدائلاً لها، لأن أوراق والشركات والأدوات لن أقدر على صنعها وحدي بكل تأكيد بل تحتاج مجتمعاً يصنعها. هذا ليس مشروع سنة أو سنتين.

وهناك مشاريع أخرى لم أتحدث عنها كثيراً وأتمنى أن أراها في يوم من الأيام مثل مؤسسة إرواء لتمويل الشركات، وأدوات برمجية أسهل بكثير تجعل البرمجة في متناول فئة أكبر بكثير (ديموقراطية حوسبية)، ومشروع "جسر" لسد الفجوة التكنولوجية البرمجية (وقد يمكن للآخرين تطبيقه على مجالات غير برمجية)، وغيرها.

فإن رأيتني انتقد ما تراه في الحاضر، فهذا لأني أتمنى مستقبلاً غيره.