سيطرة رجال الأعمال على الدولة حتى أن القوانين تُفصّل لهم خصيصاً، تفتيش الناس في المطارات، معتقلات جوانتانامو، ضرب المتظاهرين بالرصاص المطاطي في مظاهرات Occupy wall street. طبعاً مازال لديهم نقاط إيجابية كثيرة (ليس هدف مقالي الهجوم عليهم) لكني أريد أن أتساءل: كيف تتآكل الديموقراطية في الأمم؟ وكيف يمكن تحصينها لجعل تآكلها أصعب؟ هذه بالطبع اسئلة لها معنى في الجو السياسي الحالي، جو رسم الصورة المستقبلية للدول العربية، ومن هنا هذا المقال.
تعال نضرب أمثلة على استخدام كلمة "ديموقراطية" في نسق غير سياسي، سنعرف لماذا بعد قليل:
- الفيسبوك ويوتيوب - ومن قبلهم المدونات - صنعوا ديموقراطية في الإعلام، وصار يمكن لأي شخص أن يصنع بذرة قناة إخبارية (مثل شبكة رصد وغيرهم). وهناك أشخاص مثلي لم يكن ليُسمع لهم صوت بدون هذه الأدوات.
- المدونات بالذات جعلت إنشاء موقع على الإنترنت بسهولة ملء صندوق نصي. قبل ذلك كان يمكن لمتخصص أن يصنع موقعاً للإنترنت بلغة HTML ويبحث لها عن host، لكن الآن خالتي تستطيع عمل مدونة إن أرادت.
- لغة Visual basic وبرنامج Microsoft Access صنعوا في عصرهم ديموقراطية برمجية، بحيث يمكن لصيدلي مثلاً أو صاحب سوبر ماركت أن يصنع برنامجاً لمحله دون الحاجة لمبرمج متخصص.
وهذا ما حدث في أمريكا: جزء كبير من مشاكلهم سببها تركز الإعلام في يد فئات محددة توجه الشعب كيفما تشاء، إن أهملت تلك الفئات أي تجاوز لم يغضب من الشعب أحد، وإن ركزت على أشياء أخرى لم يتحدث أحد إلا عنها: لقد صاروا يحددون للناس ما هو المهم وما هو غير المهم. [فكر في ما حدث في مصر أيام مباراة الجزائر أيضاً]
فكيف نحافظ على الديموقراطية إذاً؟ أشياء كثيرة، لكن من ضمنها فكرة "توزيع القوة على الأكثرية":
- المعلومات قوة، لذلك لابد أن يكون هناك شفافية ويستطيع المواطن أن يعرف كل صغيرة وكبيرة تحدث في إداريات وحكم الدولة. لو تركزت هذه المعلومات في يد قلة فسيكون من الصعب محسابتهم أو وقف الفساد.
- التكنولوجيا قوة، لذلك لابد أن يكون استخدام الإنترنت مثلاً متاحاً للجميع بلا قيود، وبسعر رخيص وفي كل مكان، وإلا فسيكون السبيل الوحيد للحصول على المعلومات هو الوسائل التقليدية وهي سهل السيطرة عليها. كل تكنولوجيا يملكها قلة ولا يملكها كثرة هي نقطة يمكن إساءة استغلالها.
- الفكر قوة، ولو لم يكن الشعب كله على مستوى فكري عالٍ فسيمكن في أية لحظة أن يأتي من يسمون أنفسهم النخبة ويدّعوا - ولو زيفاً - أن الجميع لابد أن يستمع لهم لأن التفكير حكراً عليهم.
- المال قوة، وفي غياب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والحراك الاجتماعي - أي وجود فرصة للفقير لكي يعمل ويرفع مستواه - ستجد دولة رجال الأعمال.
- الوظائف قوة، وأرى أنه لابد من تسهيل عملية أن يفتح من يريد شركته أو عمله الخاص ونشر تلك الثقافة، لكي يزيد استقلال كل شخص اقتصادياً ولا يجد نفسه معتمداً على الحكومة أو المؤسسات الكبيرة يعينونه متى شاووا ويتخلصوا منه متى شاؤوا.
- اللغة قوة، ولو تعلم الأكثرية فن الخطابة والتفاوض والإقناع لكان ذلك ايسر للحوار القومي بدلاً من أن يحتكر ذوو الكلام المزخرف التأثير على الآخرين.
بالمناسبة، هل تذكر خطة النهضة التي ذكرتها من قبل على تلك المدونة؟ اسلوبها هو "رفع المستوى الفكري، تغيير القيم الاجتماعية" ومحاورها "العمل بالاسلام، طبقة وسطى قوية، علم مستشري".
الخطة في اساسها اجتماعية، لكن مثل كل شيء لها جوانب سياسية أيضاً!