الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

أفكار سياسية لحزب مصر القوية

هذه بعض المقترحات مني للحزب في الفترة القادمة [ملاحظة: أنا شخص من خارج الحزب] تنقسم إلى ثلاث أقسام: قبل انتخابات مجلس الشعب، أثناء الانتخابات، والمرحلة الأهم: بعد الانتخابات.

قبل الانتخابات

من المشاكل التي تواجه الحزب - وهي من أكبر المشاكل في رأيي - مشكلة الpositioning، وهو مصطلح تسويقي بمعنى "الفكرة المرتبطة بك أو بمنتجك، بحيث يمكن أن يقال لو كنت تريد _______ فلدينا المطلوب".

الـposition الخاص بحزب الحرية والعدالة مثلاً هو "دولة اسلامية معتدلة". حزب الدستور يحاول الحصول على position في عقول الناس هو "حزب يبحث عن الديموقراطية والحريات". حزب الأمة المصرية (الذي يؤسسه حازم صلاح أبو إسماعيل) ربما يكون الـposition الذي يسعى له هو "دولة اسلامية 'حازمة' بلا تنازلات"، وهكذا. فما هو الـposition الخاص بمصر القوية؟ بدون الإجابة على هذا السؤال أخشى أن يأتي الكثير من الناس فيقولوا "ده حزب كويس" ويسكتوا، بدون حماسة حقيقية أو تقدير للأهمية الحقيقية للدور الذي يقوم به الحزب.

أنا لا أقول أن الحزب بلا موقع محدد، أنا فقط أقول أن هذا الموقع قد يشعر به مؤسسو الحزب لكن لا يوجد تعبير قوي عنه بين الناس..

ما هي اتجاهات الحزب إذاً؟ ربما تكون هذه (في رأيي الشخصي):
  • إسلامي
  • يرى دوراً كبيراً لمسؤولية الدولة [مقابل القطاع الخاص]، في النهضة، رعاية الفقراء، العدالة الاجتماعية...الخ
  • يتسامى عن الصراعات الآيديولوجية أو الصراعات بشكل عام، ويحاول بدلاً من ذلك التركيز على صنع الدولة الحديثة المتطورة، وهذا يتضح من تسميته "مصر القوية"، ويأخذ هذا الموضوع كمشروع بحثي وليس مجرد تقليد لتجارب سابقة.
المشكلة هنا أن هذه الصورة تبدو أعقد من اللزوم أحياناً عند توصيلها للمواطن العادي. الأمر يحتاج قصة موحدة تربط هذه الجوانب. وحين أقول قصة أقصد هذا بالفعل: شيء مجسد يتخيله الناس ويتنفسونه، وليس مجرد مجموعة من الآيديولوجيات.

(أعتقد أن لديّ قصة مناسبة، لكني لا أريد الحديث عنها بعد لأني لم أنته بعد من مراجعة جوانبها المختلفة)

عموماً كما قلت: لابد من تحديد الـposition، وإيصال هذا الـposition لكل أعضاء الحزب وكل من يتعامل معه، ثم انعكاس هذه الفكرة في اللقاءات الصحفية والحملات الدعائية...الخ. لابد أن يوجد فكرة تجعل الناس يقولون "مصر القوية" حين يأتي ذكرها.

أثناء الانتخابات

سوف يكون هناك بعض العوائق لانتخاب الحزب: البعض سيقول أنه بلا خبرة سياسية، البعض سيقول أنه ليس إسلامياً حقاً، والبعض سيقول أنه ليس متجهاً لبناء الدولة الحديثة حقاً، والبعض سيقول "كلام كويس بس احنا عاوزين أفعال".

هناك شيء ربما يساعد في هذا الموضوع (وربما الحزب يقوم به بالفعل وأنا لا أعلم): حزمة من الأفعال.

قوانين مخطط لاقتراحها في البرلمان، قائمة بالقضايا المخطط طرحها للمناقشة، قائمة "بالمواقف" في القضايا المعروفة (الدستور، العدالة الاجتماعية، الانتقال السياسي من النظام القديم لنظام ما بعد الثورة،....الخ). أنا أعلم أن الحزب له مواقف في كل هذه الأشياء لكن يتبقى توثيق كل هذه القوانين/الخطط/المواقف ثم تقديمها للناس بكثافة في الإعلام والحملات الانتخابية. سوف تقولون للناس "ما تنتخبوناش عشان بس شايفيين اننا كويسين أو محترمين أو على كفاءة، انتخبونا لو انتوا واخذين المواقف دي زينا".

هذا الموضوع له مزايا عديدة:
  • بينما بعض الأحزاب الأخرى (وليس بالضرورة كلها) تقدم مجموعة من المباديء العامة، أنتم ستقولون للناخب بالضبط ماذا يمكن أن يتوقع. بدلاً من تقديم "علبة مغلقة" أنتم تقولون له "سوف ترى ما بداخل العلبة قبل شراؤها".
  • المباديء العامة أيضاً مهمة، لكنكم بتقديم هذه القائمة تظهرون مبادئكم وليس فقط تخبرون بها. من الصعب أن أقول أن هذا الحزب ليس إسلامياً إن كان من ضمن القوانين التي سيقترحها أشياء مرتبطة بالشريعة. من الصعب أن اسأل كيف يريد تحقيق العدالة الاجتماعية إن كان هذا الكيف مطروح أمامي كلما ذُكر الحزب. وهكذا.
  • هذا يعطي الناس نقاطاً محددة يتناقشوا فيها، بدلاً من الكلام بأشياء عامة مثل "كويس/وحش/متطرف/معتدل".
  • هذا يطرح القضايا نفسها للنقاش أمام المجتمع، فيكون الحزب قد بدأ بدوره الفكري حتى قبل حصول أعضائه على أية مناصب.
بعد الانتخابات

في الحقيقة لا أتوقع أن يأخذ الحزب مقاعداً كثيرة في الدورة البرلمانية الحالية (هذه طبيعة الموقف الحالي)، لكننا قد تعلمنا من أمثال أ/حاتم عزام أو أ/عصام سلطان أن العبرة ليست بعدد المقاعد، إنما العبرة بما تفعله في منصبك. لابد من استثمار هذا الموضوع. الديموقراطية ليست في أساسها اصوات وعداد، الديموقراطية مبنية على الحوار الديموقراطي، والذي ينبغي أن يحدث هو الوصول لإجماع ياتي من النقاش حول الأفكار، وليس اعتبار عدد الاصوات مثل الأهداف في مباراة كرة.

لكن لماذا نستخدم هذه النقطة فقط في إقرار عدد من القوانين؟ لماذا لا نستخدمها في تغيير شكل الحوار السياسي في مصر؟ :)

في الواقع الحوار السياسي في مصر لا يعجبني كثيراً..إنه لا يخرج في أكثره عن شيء من:
  • التخوين والشائعات.
  • الوصول لحلول وسط بين الأطراف المتنازعة.
  • تبادل الآراء ومحاولة الإقناع بواسطة أساليب إقناعية جدلية مختلفة.
النوع الأول مرفوض، والنوع الثاني ينبغي أن يكون الحل الأخير وليس الوسيلة الأساسية، والنوع الثالث هو الأقرب لما يقوم به المعتدلون/المخلصون، لكنه في الواقع لا يغير الآراء كثيراً. كم مرة تجادل طرفان عن العدالة الاجتماعية مثلاً ثم خرج طرف منهم وقد غير رأيه؟ في الغالب كل من الطرفين لديه حججه التي أقنعته لكنها لن تقنع الطرف الآخر (الذي لديه حجج بدوره).

هناك طريقة رابعة، والذي يقدّم هذه الطريقة إلى سائر أطراف الحوار السياسي المصري سيكون في أعيني بطلاً قومياً. هذه الطريقة هي القرار المبني على البيانات.

هب أننا مختلفون على موضوع مجانية التعليم (في كل المراحل) هل تؤثر على جودة التعليم أم لا. يمكننا أن نقوم بتجربة: خذ أفضل عشرين أو ثلاثين دولة في المجال التعليمي، وانظر لموقف كل دولة فيه من مجانية التعليم. أو خذ إحصائيات عن الدول التي كان تعليمها خاصاً وأُدخلت فيه المجانية، أو العكس، هل حدث تغير ما؟ وهل المجانية كانت هي العامل فعلاً أم كان هناك عوامل أخرى؟ (هنا يفيد النظر للدراسات عالية الجودة التي تتبع المنهج العلمي).

في هذه الحالة قد يجد المواطن نفسه في حوار سياسي مختلف، ويجد أعضاءً يكون ردهم لمن يخالفهم: هذه هي البيانات التي تدعم قراري، فأتني ببيانات أفضل منها.

اقتراحي أن يقوم حزب مصر القوية بتجهيز مركز أبحاث لدعم الحوار السياسي، بحيث يقوم بتجهيز كل عضو بالدراسات والبيانات والإحصائيات في كل قضية سوف تناقش قريباً في البرلمان، بحيث يكون النقاش دائماً بهذا المستوى ولا أقل من ذلك.
على المدى الطويل، هذا قد يدفع أحزاب أخرى كثيرة وأفراد إلى استخدام نفس الأسلوب، ويجعل المواطن يعتاد على هذا ويكون له معياراً عند اختيار من يمثله.

وهذا قد يكون ما يأتي بمصر قوية حقاً.

الجمعة، 12 أكتوبر 2012

طيب ليه المجتمع ما بقاش فجأة مليان بطلبة العلم؟

نحن الآن في عصر الوفرة المعلوماتية. من أراد أن يتعلم سيجد مئات الكتب والدروس والفيديوهات والأوراق البحثية والبرامج والـsource code. لكن ليس الكثير يستغلون هذه الموارد. لماذا؟

هذا سؤال جاد يستحق إجابة جادة. وهذا المقال رسالة إلى كل من يريد النهضة: النهضة لن تأتي بتوزيع الأجهزة اللوحية في المدارس (وإن كنا نرحب بكل خطوة نافعة)، بل من فهم سلوك الناس ودوافعهم. إن لدينا بالفعل ما يكافيء مدرسة وجامعة ومكتبة في كل بيت متصل بالإنترنت؛ ولن تضيف الأجهزة اللوحية كثيراً إلى هذا. فكر لماذا لم يستفد أحد من الموارد الموجودة قبل أن تسارع لعمل صفقة للاستحواذ على موارد جديدة.

هل هو الوقت والمال؟

أحياناً هذه أسباب حقيقية: هناك بيوت ليس لديها أموال لشراء الكتب، أو الاشتراك بالإنترنت. هناك أشخاص وظيفتهم هي كل حياتهم، وبالكاد لديهم وقت لأسرتهم ناهيك عن العلم. إذاً جزء من النهضة هو السير في طريق العدالة الاجتماعية حتى يطمئن الناس على قوتهم وقوت أطفالهم، ويكون لديهم disposable time, disposable income يقضونه في نشاطات أخرى.

ولكني أقول أن نقص الوقت والمال ليس السبب الرئيسي، فهناك طبقات اجتماعية كثيرة لا تعاني من نقص فيهما، وتراها تبحث بحثاً عن طرق لإنفاق وقتها ومالها: هؤلاء يقضون الساعات على الفيسبوك، أو الفيديو جيمز، أو في الخروج، أو في الكوفي شوبس.

لا أقصد أنهم تافهون: ربما بعضهم كذلك لكن كثير منهم تراه يتمنى فعلاً النهضة ويتحدث عن قيمة العلم ويقارن حالنا بحال الدول الغربية...الخ. فما السبب إذاً؟

القصور الذاتي

Every object in a state of uniform motion tends to remain in that state of motion unless an external force is applied to it.
Newton's first law of motion

مثل الأجسام المادية، فإن كثيراً من الناس ببساطة يعيش حياته كما هي، إلى أن تأتي قوة خارجية تؤثر عليه. معنى ذلك أن العلم لو لم يكن بالفعل مستشرياً فسيميل المجتمع إلى البقاء في تلك الحالة حتى يُبذل جهدٌ حقيقيٌ في تغييرها.

هناك جهود كثيرة مبذولة في ما يسمى التنمية البشرية، لكن لا يوجد جهد مكافيء في العلم الحقيقي. في أحسن الأحوال هناك مبادرات على غرار "مصر تقرأ" لكن لا تؤخذ هذه الأمور بجدية مثلما تؤخذ "صناع الحياة" أو غيرها. هذا يفتح الباب لنسأل: ما الأسباب التي أدت لذلك؟ ربما يحتاج هذا السؤال مقالاً آخر.

ومعظم الناس ببساطة لم يفكروا في الموارد الموجودة أو لم يسمعوا بها. كيف نخبرهم؟

وكثير من المؤسسات الفكرية النهضوية (وليس كلها) تبحث عن التوعية أكثر منها العلم. وحتى من يبحث عن العلم فيها نجده يتحدث عن العلم أكثر منها في العلم. أي أن رسالته هي "ندوة عن أهمية العلم" أكثر منها "ندوة عن الـcontext free grammars".

ولابد من البحث عن الأسباب.

"ولكن كيف سيؤثر في حياتي؟"

برامج التنمية البشرية لا تستحي من التهويل في أثرها: ان شعار كثير منها حرفياً هو "ايقظ المارد الموجود بداخلك". هم يقدمون لك فكرة أنك ستكون إنساناً أكثر نجاحاً وأقرب للسعادة وأكبر تأثيراً لو نميت نفسك على طريقتهم. أما العلم فماذا سيغير في حياتك؟

فلنفترض أنك قد قرأت وقرأت وقرأت، وتعلمت البرمجة، أو قرأت في الفيزياء، أو في التاريخ، أو في علم الفلك، أو في الاقتصاد، فماذا بعد؟

هناك بالطبع أشخاص يعتبرون العلم هو نفسه المكافأة على التعلم. ماذا عن الباقي الذين يريدون أن يتعلموا لا للعلم لكن لأهداف أخرى؟ وكيف نستكثر من الذين يحبون العلم في حد ذاته؟ ولماذا نرى أن هذا شيء مطلوب لنهضة المجتمع؟

"ولكن العلم ممل"

الحرارة النوعية هي كمية الحرارة اللازمة لرفع درجه حرارة 1 كيلوجرام من المادة بمقدار درجه واحدة. ويرمز لها بالرمز (c) ووحداتها في النظام الدولي هي (جول/كيلوجرام/كلفن).
من ويكيبديا

لماذا أراك تحب الكتب هكذا؟ أنا لا أحب الكتب! هل رأيت كتب المدرسة؟
من حديث مع أقاربي


مشكلتنا لها نواح متعددة: بدايةً معظمنا، في أول خبرة له بالعلم، يرى العلم في الكتب المدرسية، والكتب المدرسية المصرية (وربما هذه مشكلة عالمية) تبدو بلا اتجاه ولا هدف، بل هي مجموعة من الحقائق المرصوصة بعضها بجوار بعض.

المشكلة الثانية أن العلم فعلاً - ولو خارج الكتب المدرسية - يقدم بطريقة جافة مجردة. ومعظم الذين يسعون لحل المشكلة يركزون على جزء "جافة" بأن يضيفوا الرسومات والألوان والحركة ولا يقتربون من جزء "مجردة". ما معنى الحرارة النوعية؟ لا أقصد المعنى المذكور في التعريف، ولكن المعنى مثلما نقول "حياتي لها معنى"...ما السبب الذي جعلنا نعرّف الحرارة النوعية ونضعها في الكتب؟ ما دور هذه المعادلة في سير الطبيعة وفي الاستفادة من العلم؟ ما هو الـraison d'etre لهذا القانون؟

وكيف "أشعر" بهذا القانون وليس فقط "اعرفه"؟ هذه نقطة لا ينتبه لها البعض: أن القوانين لا توجد في الورق ولكنها تتمثل في الطبيعة المحسوسة. لماذا نسلق اللحم في الماء لكن نقليه في الزيت؟ ما علاقة هذا بالحرارة النوعية؟ حتى القواعد التي تبدو مجردة مثل قواعد النحو أو البلاغة، لماذا هي كما نراها وليس بصورة أخرى؟ مثلاً لماذا نضع بعض الطلبات في صورة سؤال مثل "could you pass the salt؟"، وما الأثر النفسي لهذه الصياغة على السامع، وما سبب ذلك الأثر؟

"ولكن العلم صعب"

وحتى من يبحث عن العلم فيها نجده يتحدث عن العلم أكثر منها في العلم. أي أن رسالته هي "ندوة عن أهمية العلم" أكثر منها "ندوة عن الـcontext free grammars".
 — أنا، من جزء سابق في هذا المقال

هؤلاء يقضون الساعات على الفيسبوك، أو الفيديو جيمز، أو في الخروج، أو في الكوفي شوبس.
  — أنا برضه

 الحديث عن العلم أسهل من الدخول في التفاصيل العلمية. مشاهدة المسلسل أسهل من تعلم البرمجة. إن كنا نبحث عن الأسباب فهذا سبب.

لكني أعتقد أن الصعوبة هي شيء نسبي: في طفولتي كان كثير من الأطفال يبرمجون، وكان هناك مجلات وكتب متخصصة للأطفال المبرمجين. وكان الأطفال يصنعون الصور في الألعاب بالأكواد الhexadecimal. وكان هذا في العالم العربي مثلما كان في الغرب.

وفي هذه الأيام هناك نشاطات كثيرة يمارسها الأطفال والشباب تظنها صعبة حين تفكر فيها. هناك أشخاص كانت أول خبرة برمجية لهم في تصميم مستويات جديدة في الألعاب التي يلعبونها game modding. هناك من يخرجون من الحيز الإلكتروني إلى الحيز المادي ويقومون بتعديل سياراتهم بتصميمات جديدة car modding، (هناك بالمناسبة مجتمعات لتعديل السيارات ضمن الشباب المصري).

وفي الغرب نجد من يهوى تسلق الصخور أو تمثيل الأحداث التاريخية. وفي العرب من نجده يهوى الصيد أو ركوب الخيل. لم تكن الصعوبة حائلاً بين الشخص وما يريد إن كان يريده بما يكفي. فكيف تجعلهم يريدون؟

 ولن تكون النهضة العلمية بتوزيع الأجهزة اللوحية في المدارس (وإن كنا نرحب بكل خطوة نافعة)، بل من فهم سلوك الناس ودوافعهم.

السبت، 6 أكتوبر 2012

احذر: قد تكون لا تريد النهضة

كان البعض يقول أن الحرية ممكنة إذا كان الشعب يريدها حقاً. يظن المرء أن هذا شعارات، ثم جاءت الثورة المصرية وتعلمت أن العبارة صحيحة لكن جزء "يريدها حقاً" له معنىً كبير: هل الشعب يريد الحرية لدرجة أنه مستعد أن يُضرب بالأمن المركزي كلما نزل للميدان، وأن يموت منه ضحاياً، وأن يترك حياته ليمكث في الخيام مهما طال الوقت؟ إذن الحرية ممكنة.

ماذا عن النهضة؟ إن لم يحدث الشيء فقد يكون السبب هو (1) عوامل خارجية تعوق حدوثه. أو (2) صاحب القرار [المجتمع في حالة النهضة] لا يريد للشيء أن يحدث.

وكلا السببين مشروع: أحياناً يكون عوامل خارجية وأحياناً غياب للإرادة، لكن في الظروف الحالية غياب الإرادة أمر أريد الحديث عنه.

منذ مائة عام ربما قلنا أن العوامل الخارجية عائق يصعب التغلب عليه: كيف ستعلم كل هؤلاء الناس؟ كيف ستبني البنية التحتية للدولة؟ كيف ستغير المجتمع؟ ما الطريق الصحيح؟

لكننا الآن في عصر مختلف: اليوم هناك وفرة معلوماتية، وكل منا يستطيع - إن أراد - أن يحصل على تعليم يكافيء جامعة أجنبية كاملة فقط من المواد التعليمية المتاحة بالمجان على الإنترنت.

فإن أراد سد الفجوة التكنولوجية فهناك نظم تشغيل كاملة مفتوحة المصدر يستطيع أن يدرسها أو يعلمها للآخرين، ومترجمات لغات برمجة، ونظم ذكاء اصطناعي، وبرامج رسومية. هناك أيضاً نظم hardware مفتوحة المصدر، وهناك تصميمات كاملة لشرائح CPU قديمة لكن يمكن البدء بها ولو كهواية.

وإن أراد إصلاحاً سياسياً فالمجتمع المصري نفسه مليء بالخبراء الذين لديهم رؤىً ومشاريع منذ عقود، ومليئ بالمصادر لمن يريد التعلم. قل لي: هل ثقفت نفسك سياسياً؟ ماذا تعرف عن نظم الحكم؟ عن نظم الإدارة؟ عن أنواع الديموقراطية؟ عن النظم الاقتصادية؟ كيف تحدد من ستنتخب إذاً؟ هل تظن السياسة هي التصفيق لشخصيتك المفضلة أو حزبك المفضل؟

فإن أراد فتح شركة فهناك عشرات الطرق للحصول على تمويل في الوطن العربي.

فإن أراد تطوير التعليم فهناك تجارب ناجحة يمكن دراستها (ذكرت منها الكثير على هذه المدونة).

هذا إن أراد.

طبعاً الأمور ليست مظلمة، هناك بالفعل مبادرات فردية وجماعية في هذه المجالات. هناك من يعلمون أنفسهم ويعلمون الآخرين ويفتحون شركات. على الأقل جزء من المجتمع لديه تلك الإرادة - الحقيقية وليست الشعارات - للنهضة.

لكني أتمنى أن يكون الأمر أسرع. أن يكون هناك جزء كبير فعال في المجتمع يدرك أن النهضة ليست حادثة ينتظرها، بل شيء يستطيع أن يبدأ فيه من اليوم.