هذه بعض المقترحات مني للحزب في الفترة القادمة [ملاحظة: أنا شخص من خارج الحزب] تنقسم إلى ثلاث أقسام: قبل انتخابات مجلس الشعب، أثناء الانتخابات، والمرحلة الأهم: بعد الانتخابات.
قبل الانتخابات
من المشاكل التي تواجه الحزب - وهي من أكبر المشاكل في رأيي - مشكلة الpositioning، وهو مصطلح تسويقي بمعنى "الفكرة المرتبطة بك أو بمنتجك، بحيث يمكن أن يقال لو كنت تريد _______ فلدينا المطلوب".
الـposition الخاص بحزب الحرية والعدالة مثلاً هو "دولة اسلامية معتدلة". حزب الدستور يحاول الحصول على position في عقول الناس هو "حزب يبحث عن الديموقراطية والحريات". حزب الأمة المصرية (الذي يؤسسه حازم صلاح أبو إسماعيل) ربما يكون الـposition الذي يسعى له هو "دولة اسلامية 'حازمة' بلا تنازلات"، وهكذا. فما هو الـposition الخاص بمصر القوية؟ بدون الإجابة على هذا السؤال أخشى أن يأتي الكثير من الناس فيقولوا "ده حزب كويس" ويسكتوا، بدون حماسة حقيقية أو تقدير للأهمية الحقيقية للدور الذي يقوم به الحزب.
أنا لا أقول أن الحزب بلا موقع محدد، أنا فقط أقول أن هذا الموقع قد يشعر به مؤسسو الحزب لكن لا يوجد تعبير قوي عنه بين الناس..
ما هي اتجاهات الحزب إذاً؟ ربما تكون هذه (في رأيي الشخصي):
- إسلامي
- يرى دوراً كبيراً لمسؤولية الدولة [مقابل القطاع الخاص]، في النهضة، رعاية الفقراء، العدالة الاجتماعية...الخ
- يتسامى عن الصراعات الآيديولوجية أو الصراعات بشكل عام، ويحاول بدلاً من ذلك التركيز على صنع الدولة الحديثة المتطورة، وهذا يتضح من تسميته "مصر القوية"، ويأخذ هذا الموضوع كمشروع بحثي وليس مجرد تقليد لتجارب سابقة.
المشكلة هنا أن هذه الصورة تبدو أعقد من اللزوم أحياناً عند توصيلها للمواطن العادي. الأمر يحتاج قصة موحدة تربط هذه الجوانب. وحين أقول قصة أقصد هذا بالفعل: شيء مجسد يتخيله الناس ويتنفسونه، وليس مجرد مجموعة من الآيديولوجيات.
(أعتقد أن لديّ قصة مناسبة، لكني لا أريد الحديث عنها بعد لأني لم أنته بعد من مراجعة جوانبها المختلفة)
عموماً كما قلت: لابد من تحديد الـposition، وإيصال هذا الـposition لكل أعضاء الحزب وكل من يتعامل معه، ثم انعكاس هذه الفكرة في اللقاءات الصحفية والحملات الدعائية...الخ. لابد أن يوجد فكرة تجعل الناس يقولون "مصر القوية" حين يأتي ذكرها.
أثناء الانتخابات
سوف يكون هناك بعض العوائق لانتخاب الحزب: البعض سيقول أنه بلا خبرة سياسية، البعض سيقول أنه ليس إسلامياً حقاً، والبعض سيقول أنه ليس متجهاً لبناء الدولة الحديثة حقاً، والبعض سيقول "كلام كويس بس احنا عاوزين أفعال".
هناك شيء ربما يساعد في هذا الموضوع (وربما الحزب يقوم به بالفعل وأنا لا أعلم): حزمة من الأفعال.
قوانين مخطط لاقتراحها في البرلمان، قائمة بالقضايا المخطط طرحها للمناقشة، قائمة "بالمواقف" في القضايا المعروفة (الدستور، العدالة الاجتماعية، الانتقال السياسي من النظام القديم لنظام ما بعد الثورة،....الخ). أنا أعلم أن الحزب له مواقف في كل هذه الأشياء لكن يتبقى توثيق كل هذه القوانين/الخطط/المواقف ثم تقديمها للناس بكثافة في الإعلام والحملات الانتخابية. سوف تقولون للناس "ما تنتخبوناش عشان بس شايفيين اننا كويسين أو محترمين أو على كفاءة، انتخبونا لو انتوا واخذين المواقف دي زينا".
هذا الموضوع له مزايا عديدة:
- بينما بعض الأحزاب الأخرى (وليس بالضرورة كلها) تقدم مجموعة من المباديء العامة، أنتم ستقولون للناخب بالضبط ماذا يمكن أن يتوقع. بدلاً من تقديم "علبة مغلقة" أنتم تقولون له "سوف ترى ما بداخل العلبة قبل شراؤها".
- المباديء العامة أيضاً مهمة، لكنكم بتقديم هذه القائمة تظهرون مبادئكم وليس فقط تخبرون بها. من الصعب أن أقول أن هذا الحزب ليس إسلامياً إن كان من ضمن القوانين التي سيقترحها أشياء مرتبطة بالشريعة. من الصعب أن اسأل كيف يريد تحقيق العدالة الاجتماعية إن كان هذا الكيف مطروح أمامي كلما ذُكر الحزب. وهكذا.
- هذا يعطي الناس نقاطاً محددة يتناقشوا فيها، بدلاً من الكلام بأشياء عامة مثل "كويس/وحش/متطرف/معتدل".
- هذا يطرح القضايا نفسها للنقاش أمام المجتمع، فيكون الحزب قد بدأ بدوره الفكري حتى قبل حصول أعضائه على أية مناصب.
بعد الانتخابات
في الحقيقة لا أتوقع أن يأخذ الحزب مقاعداً كثيرة في الدورة البرلمانية الحالية (هذه طبيعة الموقف الحالي)، لكننا قد تعلمنا من أمثال أ/حاتم عزام أو أ/عصام سلطان أن العبرة ليست بعدد المقاعد، إنما العبرة بما تفعله في منصبك. لابد من استثمار هذا الموضوع. الديموقراطية ليست في أساسها اصوات وعداد، الديموقراطية مبنية على الحوار الديموقراطي، والذي ينبغي أن يحدث هو الوصول لإجماع ياتي من النقاش حول الأفكار، وليس اعتبار عدد الاصوات مثل الأهداف في مباراة كرة.
لكن لماذا نستخدم هذه النقطة فقط في إقرار عدد من القوانين؟ لماذا لا نستخدمها في تغيير شكل الحوار السياسي في مصر؟ :)
في الواقع الحوار السياسي في مصر لا يعجبني كثيراً..إنه لا يخرج في أكثره عن شيء من:
- التخوين والشائعات.
- الوصول لحلول وسط بين الأطراف المتنازعة.
- تبادل الآراء ومحاولة الإقناع بواسطة أساليب إقناعية جدلية مختلفة.
النوع الأول مرفوض، والنوع الثاني ينبغي أن يكون الحل الأخير وليس الوسيلة الأساسية، والنوع الثالث هو الأقرب لما يقوم به المعتدلون/المخلصون، لكنه في الواقع لا يغير الآراء كثيراً. كم مرة تجادل طرفان عن العدالة الاجتماعية مثلاً ثم خرج طرف منهم وقد غير رأيه؟ في الغالب كل من الطرفين لديه حججه التي أقنعته لكنها لن تقنع الطرف الآخر (الذي لديه حجج بدوره).
هناك طريقة رابعة، والذي يقدّم هذه الطريقة إلى سائر أطراف الحوار السياسي المصري سيكون في أعيني بطلاً قومياً. هذه الطريقة هي القرار المبني على البيانات.
هب أننا مختلفون على موضوع مجانية التعليم (في كل المراحل) هل تؤثر على جودة التعليم أم لا. يمكننا أن نقوم بتجربة: خذ أفضل عشرين أو ثلاثين دولة في المجال التعليمي، وانظر لموقف كل دولة فيه من مجانية التعليم. أو خذ إحصائيات عن الدول التي كان تعليمها خاصاً وأُدخلت فيه المجانية، أو العكس، هل حدث تغير ما؟ وهل المجانية كانت هي العامل فعلاً أم كان هناك عوامل أخرى؟ (هنا يفيد النظر للدراسات عالية الجودة التي تتبع المنهج العلمي).
في هذه الحالة قد يجد المواطن نفسه في حوار سياسي مختلف، ويجد أعضاءً يكون ردهم لمن يخالفهم: هذه هي البيانات التي تدعم قراري، فأتني ببيانات أفضل منها.
اقتراحي أن يقوم حزب مصر القوية بتجهيز مركز أبحاث لدعم الحوار السياسي، بحيث يقوم بتجهيز كل عضو بالدراسات والبيانات والإحصائيات في كل قضية سوف تناقش قريباً في البرلمان، بحيث يكون النقاش دائماً بهذا المستوى ولا أقل من ذلك.
على المدى الطويل، هذا قد يدفع أحزاب أخرى كثيرة وأفراد إلى استخدام نفس الأسلوب، ويجعل المواطن يعتاد على هذا ويكون له معياراً عند اختيار من يمثله.
وهذا قد يكون ما يأتي بمصر قوية حقاً.