الجمعة، 9 نوفمبر 2012

التاريخ والأشياء الصغيرة

أهوى علم لغات البرمجة (علم مختلف عن الـcompilers). وأفكر دائماً في لغة البرمجة "النموذجية" التي يمكن التعبير بها عما تريد بدون فجوة بين الفكرة في دماغك والكود التي تكتبها. يتفرع من هذا فكرة لغة البرمجة التعليمية التي يمكن لأي شخص أن يدخل منها عالم البرمجة، ولغة البرمجة "الديموقراطية" التي تمكّن أي شخص (صحفي، محامي) أن يكتب برنامجاً في مجال تخصصه، وهكذا.

وأقوى سلاح في هذه الرحلة هو التاريخ. وهكذا تجدني أقضي الساعات في القراءة عن لغات البرمجة القديمة منذ الستينات وما بعدها.

Algol - Icon -  CLU - Simula - Self - Forth - Logo - CleanSheet - ObjectVision

..بحثاً عن فكرة عبقرية لكن مفقودة.



ونحن البشر لا نعيش في عصر حديث بالكامل بل خليط من عصور مختلفة. الكرسي الذي تجلس عليه هو نفس الاختراع تقريباً منذ آلاف السنين. لو نظرت في الشارع لوجدث بائع الفاكهة يسير بعربة يدوية كما في العصور الوسطى. نظرية فيثاغورث مفيدة في عصر الفضاء والـGPS مثلما كانت مفيدة في عصرها. ويكفيك جولة عبر القاهرة لترى ما أقول: الانتقال من حي لآخر في القاهرة هو بمثابة انتقال من فترة زمنية لأخرى.

وفي أيام معركة الجمال في الثورة، ابتكر الثوار - وحدهم - طرقاً حربية مشابهة لما كان يفعله الرومان. حائط بشري يمسك دروع طويلة ويزحف بها... Testudo formation

وحين فكرت في تعريب العلوم كنت آخذ "غطسات" في كتب العلوم الرياضية والطبية أيام الحضارة الإسلامية القديمة، لأرى كيف كان يبدو "العلم باللغة العربية"، وإن كان يمكن أن يكون العلم العربي الجديد امتداداً لما سبق وليس علماً مختلفاً تماماً.

تلك المخطوطات منذ أيام الحضارة الإسلامة فيها أسلوب معين لكتابة الكتب: العنوان الطويل لكل فقرة الذي يصلح ملخصاً للفقرة. هناك كاتب أجنبي استخدم هذا الاسلوب في كتابه للذكاء الاصطناعي (الكاتب Patrick Henry Winston)، واستخدمته أحياناً في مقالات على المدونة. في الواقع الكتب الإسلامية القديمة كان بها ميزة ظريفة جداً هي أن الكاتب كان يصنع الكتاب خليطاً من الكتابة والرسم ينسابان مع بعضهما في حرية. كان الكتاب عملاً فنياً وليس مجرد وسيلة تقديم معلومات، وربما نحتاج أن تكون المزيد من الكتب بهذه الطريقة.

وحين كنت اقرأ عن تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، كان الكتاب يتحدث عن كيفية ظهور الجامعات في أوروبا، وانها خرجت من شيء يشبه مجالس العلم في الدولة الإسلامية: المعلم الذي يجلس على الحصيرة ويقرأ الكتاب وهو يعلق على كل جملة يقرأها. كيف يمكن تطبيق هذه الفكرة في العصر الحديث؟

كتب التاريخ الأجنبية تهتم كثيراً بالحياة: ماذا كان شكل المنازل في تلك الحقبة التاريخية؟ كيف كان الناس يطبخون؟ ماذا كانت الوظائف وقتها؟ التاريخ الذي أخذته في المدرسة المصرية كان في أغلبه سلسلة من الحكام والمعارك.

والتاريخ أكبر من هذا! وحين نقول "نتعلم من دروس التاريخ" قد يظن الناس أن الدروس ما هي إلا فكرة عامة غير محددة، لكن الأشياء الصغيرة قيمة: من شكل الكرسي إلى شكل الكتاب إلى شكل المطبخ إلى نظرية فيثاغورس. إن التاريخ هو خلاصة التجارب البشرية، ونحن في عصرنا هذا نعيش نتيجة هذه التجارب.

ليست هناك تعليقات: